هاني الفردان
كلما تكلم أحد عن وجود أطفال في سجون البحرين يأتيك الرد جاهزاً ومكرراً، ألا وهو أن قانون الأحداث يعتبر الطفل هو ما دون سن الخامسة عشرة، وهو السن الذي يخالف الاتفاقات الدولية التي حدّدت سن الطفل بما دون سن الثامنة عشرة. إلا أن الموضوع تغير بعد اصدار قانون الطفل الجديد.
جدلية كبيرة، كانت هي الذريعة في كل مرةٍ يطرح فيها موضوع توقيف الأطفال والتحفظ عليهم لمدد طويلة، فبعد قضية الطفل ياسين «هرقل» الذي اتهم بتمزيق قميص شرطي وضربه أيضاً، توالت العديد من القضايا والتهم.
بالأمس شهدت قاعة المحكمة حدثاً مشابهاً لتلك الأحداث وهو تجديد حبس حدثين 12 و13 عاماً لمدة 7 أيام في قضية حرق جنائي، وهذا هو التحفظ الثالث لهما، إذ إن سبب التجديد هو تقصير جهات رسمية في عدم تقديم تقرير الباحثة الاجتماعية عن حالة الحدثين بحسب ما كشفت عنه المحامية.
التقصير وتأخير التقرير الرسمي تحمّله طفلان صغيران سيقبعان في مركز الأحداث أسبوعاً إضافياً.
المشهد المؤلم في القصة، هو سقوط أم أحد الحدثين مغشياً عليها، وصراخ وبكاء الحدث ذي 12 عاماً، ومطالبته من أهله ألا يغادروا المحكمة من دونه.
في مثل هذه الأمور، ما هو الخطر الذي سيسببه هذان الحدثان على الأمن الوطني؟ ولماذا لم يطلب من الأهل تسلمه وتقديم كافة التعهدات التي توفر للجهات الرسمية ضمان الحفاظ عليه وتسلمه متى ما طُلب منهم ذلك؟ ما هو الفرق بين هذين الحدثين وغيرهما من الأطفال الذين يقبعون في السجون بتهم التجمهر والشغب، وبين منتسبي الأجهزة الأمنية المتهمين من قبل السلطة بقتل مواطنين؟ لماذا يتم التحفظ على الأطفال خوفاً منهم على الأمن الوطني، فيما يتم إخلاء سبيل المتهمين في قضايا الانتهاكات التي يصل بعضها إلى القتل، كما وثق ذلك تقرير بسيوني.
قضايا الأطفال متكررة، فقبل أحداث فبراير/ شباط 2011، كانت قضايا الأحداث محل جدل كبير. فمازلت أذكر قضية الطفلين أيمن جعفر حسن عباس ومحمد علي حسن عباس وكلاهما من مواليد العام 1998، (أي عمرهما 13 عاماً)، الموقوفان في أغسطس/ آب 2010، وحُكم عليهما بالسجن ستة أشهر، وهما ضمن 65 طفلاً احتجزتهم الجهات الأمنية بتهم أمنية لا يفقهون التهم التي وُجّهت لهم.
لست ضد تجديد الحبس لأحد، إذا ما كانت الأدلة واضحةً، ولكن ضد أن يحاسب طفل يعتقل أسابيع، يمنع عن أهله، ويحرم من مواصلة دراسته، فيما أشخاص وجهت لهم السلطة ذاتها تهم القتل العمد، في منازلهم نائمين، يحضر بعضهم محاكماتهم بكامل أناقتهم، ويغادرون قاعة المحكمة عبر سياراتهم ليتوجهوا إلى منازلهم وأعمالهم.
ما هو الفرق بين هذا الطفل، وذلك الشرطي؟
الفرق كبير في حجم الجناية، وتحمل المسئولية، والإدراك العقلي، والتفريق بين الصواب والخطأ… أضف إلى ذلك الصلاحيات القانونية.
الأطفال خطر، فيما آخرون راشدون وجهت لهم السلطة تهم القتل العمد لا يشكّلون ذلك الخطر، فلا خوف من هروبهم، ولا من تأثيرهم على مجريات القضية وسلامة أدلتها وحيثياتها.
قلتها من قبل إن الطفل ياسين (هرقل) سبقه أيمن ومحمد، وكذلك أطفال بني جمرة وغيرهم كثيرون، ولا أعتقد أن قضية الطفلين ميرزا ومحسن ستكون آخر القضايا، حتى مع صدور قانون الطفل الجديد، في ظل مؤسسات رسمية معنية بالطفولة لا ترى المشهد إلا من عين واحدة فقط، إذ ستجزم تلك المؤسسات بأن ياسين كان هرقل حين ضرب الشرطي ومزّق قميصه، وأن ميرزا ومحسن وأحمد وعلي وكثيرين يشكلون خطراً على الأمن الوطني، فيما يبقى المتهمون بالقتل العمد يسرحون ويمرحون أبرياء حتى يدانوا وفقاً للقانون.