غسان نصيف ـ كاتب بحريني
الديمقراطية لدى الكثيرين هي كلمة فضفاضة، أي أن كل فئة من الناس تٌعرفها وتقيسها بشكل مختلف عن الفئة الاخرى. فأسمها التاريخي الإغريقي يترجم حرفياً لـ(حكم الشعب)، وتعريفها العالمي الحديث يعني (حُكمُ الأكثريّة مع توفير حمايةُ لحقوق الأقليات والأفراد)، بينما لا يزال هو – أي التعريف- في الكثير من المناطق هو مجرد حبر على ورق الجرائد الرسمية يستخدم في مقالات للتلميع أحياناً وللتبرير مراتً، أي لحشو الورق المباع غالباً.
طبعاً كل ماسبق من تساؤلات، سأله أصحاب الديمقراطيات "العريقة" أنفسهم أيضاً، مع فارق مئة سنة! ولكي لا نتعب في البحث هنا وهناك عن طرق للقياس والنقاش، سنقفز معهم لمسافة مئة سنة، وسنقرأ حساباتهم التي هم أو أكثرهم على الاقل يعتقد صحتها.
تعتبر مؤشرات مقياس الديمقراطية الذي تقوم بنشره وحدة البحوث بالايكونومست التابعة لمجموعة الأيكونومست للأبحاث العملاقة، تعتبر أرقاماً ذات مصداقية – لمن أراد تصديقها بالطبع- ومنها تأخذ بعض الدول (أرقامها) وتتكتشف مناطق ضعفها وبها تضع خططها المستقبلية للوصول لديمقراطية أوسع لشعوبها من أجل استمرار عجلة إصلاحهم السياسي.
في التقرير الأخير الذي نشر في ديسمبر من العام الماضي تبوأت أربع دول اسكندنافية المراكز الأربعة الأولى في مؤشرات الديمقراطية، وهي النرويج، أيسلندا، الدنمارك، والسويد على التوالي بينما جاءت نيوزلندا خامسة على العالم، كل هذه الدول حصلت على درجات تراوحت بين (9.2 إلى 9.7) من 10 درجات في عدة مجالات يتم قياس بها "الديمقراطية" وهي: وجود انتخابات حرة ونزيهة ينتخب فيها الناس حكوماتهم، السلامة التي يتمتع بها المواطنون، تأثير القوى الخارجية على الحكومة، وقدرة الحكومة على تطبيق خططها السياسية. وكل مجال من هذه المجالات تتفرع منه نقاط بحث مفصلة.
كما هي في باقي المجالات، تقبع الدول العربية في مؤخرة الترتيب العالمي للـ"ديمقراطية"، رغم وجود تونس (الثورة) ولبنان في المراكز 92 و94 على التوالي من 167 دولة، أي في النصف الاسفل من الترتيب ولكن على الاقل هناك 40% من باقي العالم خلفهم.
أما البحرين، فهي تقبع في مركز أسوء من ترتيبها العالمي في التصنيف الدولي لكرة القدم، في المركز 144 عالمياً، بمعنى أن من هم أسوء منها في العالم، هي 23 دولة فقط، من ضمنهم إيران وسوريا واليمن وطبعاً الجارة السعودية، بينما دول مثل بوتسوانا، لاتفيا، ليسوتو، سورينام، تنزانيا، بوروندي، وسيراليون. كما هي دول أخرى لم يسمع بها أغلبنا تفوقت علينا "ديمقراطياً"، حتى ترينيداد وتوباغو التي تعرف عليها البحرينيون فقط عندما هزم منتخبهم الكروي منتخبنا في تصفيات كأس العالم، هي أيضاً متفوقة علينا في مقياس "ديمقراطية" شعبها.
من المفترض أن يجعلنا هذا الأمر نتجنب ذكر كلمة "الديمقراطية" في جميع أدبياتنا، ومن المفترض أيضاً أن يجعل هذا الأمر كلمة الديمقراطية "تنقرض" من صحفنا اليومية، ويجب أن نكف عن الإستماع لها بوتيرة (أكثف) مما هي موجودة في هذا المقال في خطب متلفزة أو مسموعة. هذا كله يجب فعله، طبعاً، عندما فقط نؤمن بأن تعريفهم للـديمقراطية" وطرق قياسهم لها، كما هي صناعاتهم وتقنياتهم، أمور يمكن الإعتماد عليها.