قالت وزارة الخارجية الأميركية إن كبار المسئولين في حكومة الولايات المتحدة، فضلاً عن ممثلين من السفارة الأميركية في البحرين، أعربوا خلال لقاءاتهم بممثلي الحكومة والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، عن قلقهم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البحرينية للحد من الحرية الدينية فيها.
جاء ذلك في تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي بشأن الحريات الدينية للعام 2011، والذي ترجمته صحيفة "الوسط" ونشرته في عددها اليوم الأربعاء، إذ يتناول أوضاع الحريات الدينية في دول العالم.
وأشار ملخص التقرير، إلى أنه في العام 2011، وصفت حكومات بعض الدول التي شهدت صراعات، بعض الجماعات بـ "المتطرفين"، وهو ما اعتبرته مبرراً لتقييد الحريات الدينية، وأسهمت في عدم التسامح المجتمعي، وهو ما حدث في دول مثل البحرين وروسيا ونيجيريا والعراق، حين فشلت السلطات في كثير من الأحيان في التمييز بين الممارسة الدينية السلمية والأنشطة الإجرامية أو الإرهابية.
وفيما يتعلق بالبحرين، أشار تقرير الخارجية الأميركية، إلى أن الدستور في البحرين لا يحمي صراحة حرية الدين، ولكنه ينص على حرية العبادة، وتحترم الحكومة عموما حق المواطنين والمقيمين الأجانب في ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أن احترام وحماية الحرية الدينية، شهدت تدهوراً، شمل الاعتقالات الجماعية وتدمير عدد من المواقع الدينية خلال فترة السلامة الوطنية التي شهدتها البلاد في العام الماضي.
وجاء في التقرير: "اتخذت الحكومة البحرينية بعض الخطوات في وقت متأخر من العام الماضي لمعالجة هذه القضايا، ومن بينها إعادة بناء تلك المواقع التي دمرت خلال فترة السلامة الوطنية، والتي ترافق معها إطلاق سراح العديد من المعتقلين والمحتجزين".
وأضاف التقرير "في الواقع، تتمتع إحدى فئات المجتمع البحريني بوضع أفضل، فيما تعاني فئة أخرى من التمييز. ومنذ فبراير/ شباط 2011، شهدت البلاد فترة طويلة من الاضطرابات، بما في ذلك احتجاجات واسعة تدعو إلى الإصلاح السياسي، وبعض أعمال العنف. واستهدفت الحكومة خلالها العديد من النشطاء ورجال الدين. كما أن المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، أوقفت وفصلت العشرات من أعمالهم، على الرغم من إعادة الكثير إلى أعمالهم بحلول نهاية العام".
وذكر التقرير أن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وثقت "ثقافة الافلات من العقاب" بين أفراد الأمن، بما في ذلك الاستخدام الواسع النطاق للقوة المفرطة والتعذيب، ناهيك عن استهداف وسائل الإعلام الرسمي والإعلام الاجتماعي لإحدى فئات المجتمع البحريني، والتشكيك في ولائها.
وأشار التقرير إلى ما اعتبره سيطرة الحكومة على استخدام المساجد أو المآتم للتجمعات السياسية، لافتاً في الوقت نفسه إلى ورود تقارير عن انتهاكات اجتماعية أو تمييز على أساس الانتماء الديني أو المعتقد أو الممارسة، بما في ذلك حوادث العنف الطائفي، ناهيك عن فصل أرباب العمل في القطاع الخاص للعشرات من العمال في أعقاب فرض حالة السلامة الوطنية.
التوزيع الديموغرافي الديني
ذكر التقرير أن 99 في المئة من المواطنين البحرينيين، الذين يشكلون نصف السكان، هم من المسلمين، فيما يشكل اليهود والمسيحيون والهندوس والبهائيون 1 في المئة من المواطنين، لافتاً في الوقت نفسه، إلى أن الحكومة لا تنشر إحصاءات بشأن التوزيع الطائفي للمواطنين البحرينيين.
وبين التقرير، أنه اعتبارا منذ العام 2008، كان هناك نحو 350 من المساجد السنية المرخصة، و863 مسجداً و589 مأتماً مرخصاً تابعاً للطائفة الشيعية، لافتاً إلى أنه في المناطق الجديدة كمدينة حمد ومدينة عيسى، والتي غالبا ما تشهد خليطاً مذهبياً من السكان، فإن هناك عددا غير متناسب من المساجد السنية.
أما فيما يتعلق بالأجانب، ومعظمهم من جنوب آسيا ومن دول عربية أخرى، فأشار التقرير إلى أنهم يمثلون نحو 54 في المئة من السكان، وأن نحو نصف الأجانب المقيمين هم من غير المسلمين، بما في ذلك الهندوس والبوذيين والمسيحيين والبهائيين والسيخ.
الإطار التشريعي للحرية الدينية
أشار التقرير، إلى أن القانون البحريني لا يحمي صراحة حرية الدين، على الرغم من أن الدستور ينص على حرية الضمير، وحرمة أماكن العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية، وفقا للعادات المرعية في البلد، وأن الدستور ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، كما ينص على ألا يكون هناك أي تمييز في الحقوق والواجبات بين المواطنين على أساس الدين.
وأوضح التقرير، أن الدستور لا يفرض قيودا على حق غير المسلمين في اختيار أو تغيير أو ممارسة شعائرهم الدينية، بما في ذلك نشر تلك المعتقدات، وفيما يحظر الدستور التمييز في الحقوق والواجبات بين المواطنين على أساس الدين أو العقيدة، غير أنه لا توجد قوانين أخرى لمنع التمييز، ولا إجراءات لتقديم شكاوى في هذا الشأن.
كما ذكر التقرير، أن القانون البحريني يفرض على كل مجموعة دينية الحصول على ترخيص من وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف لممارسة نشاطاتها، كما يوجب على الجماعات الدينية غير المسلمة التسجيل لدى وزارة التنمية الاجتماعية لممارسة نشاطاتها، كما أن بعض الجماعات الدينية قد تحتاج أيضا إلى موافقات من وزارات التربية والتعليم، والثقافة، والداخلية، وهيئة الإعلام، وذلك تبعاً لطبيعة أنشطة المجموعة المقصودة.
وبين التقرير كذلك، بأن نحو 13 مجموعة دينية غير مسلمة، حصلت على ترخيص من وزارة التنمية الاجتماعية، بما في ذلك الكنائس المسيحية والمعابد الهندوسية، إضافة إلى عدد من المجموعات غير المسجلة، والتي تمارس معظمها نشاطها من دون تدخل من الحكومة، وذكرت أنها لا تسعى إلى التسجيل رسميا في وزارة التنمية؛ لأنها تعتقد أن الوزارة سترفض طلبات الترخيص لأية مجموعات دينية أجنبية جديدة.
وأورد التقرير، أنه في مايو/ أيار 2009، تبنت الحكومة في البلاد أول قانون للأحوال الشخصية، والذي ينظم شئون الأسرة مثل الميراث والزواج، وحضانة الأطفال، والطلاق، وهو القانون الذي لا ينطبق على المحاكم الجعفرية، على الرغم من أنه يعطي طابعا مؤسسيا لحماية النساء، وفقاً لما جاء في التقرير.
كما أشار التقرير إلى أن بناء أماكن العبادة في البحرين، يتطلب موافقات من عدد من الجهات على المستوى الوطني، فضلا عن الأجهزة البلدية، منوهاً إلى أن قانون المطبوعات والنشر في البحرين يحظر معاداة الإسلام عبر وسائل الإعلام، فيما لا يمنع القانون أو يقيد أو يعاقب استيراد وحيازة أو توزيع الكتب الدينية والملابس أو الرموز.
وأوضح أن الدراسات الإسلامية هي جزء من المنهج الدراسي في المدارس الحكومية وإلزامي لجميع طلاب المدارس العامة، والذي يتم فيه تدريس المذهب المالكي في الفقه السني، فيما لا يتم تدريس المذهب الجعفري في هذه المدارس.
ولفتت الخارجية الأميركية، إلى ورود تقارير عن انتهاكات للحرية الدينية في البحرين، بدأت في فبراير 2011، حين شهدت البلاد فترة طويلة من الاضطرابات، بما في ذلك احتجاجات واسعة تدعو إلى الإصلاح السياسي، وبعض أعمال العنف الطائفية.
وأشارت الوزارة في تقريرها، إلى قيام قوات الأمن في البحرين بعمليات أمنية واسعة النطاق، قامت خلالها باعتقال واحتجاز العديد من الأفراد، بما في ذلك النشطاء ورجال الدين الذين كان لديهم دور في الأنشطة السياسية والدينية، منوهة بوجود حالات موثقة من الاعتقال التعسفي، والاستخدام المفرط للقوة، وتعذيب المعتقلين وسوء المعاملة، إضافة إلى هدم الحكومة عددا من المواقع الدينية خلال العام نفسه، وإنه وفقا لتقرير لجنة تقصي الحقائق، فإنه تم هدم 30 موقعا دينياً، من أصل 53 موقعاً دينياً تم حصره من قبل جمعية الوفاق.
وجاء في التقرير: "احترمت الحكومة بشكل عام حق المواطنين والمقيمين الأجانب في ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أن الحكومة استمرت في ممارسة مستوى من الرقابة والرصد للنشاطات الدينية. كما أنها تفرض الرقابة على الخطب الدينية وتحاول تعطيل بعض أنشطة رجال الدين".
وأضاف التقرير: "خلال فترة السلامة الوطنية، كانت هناك تقارير عن تدمير الحكومة عدداً من أماكن العبادة، وانتهاك حرمة المؤسسات الدينية، والاعتقالات لفترات طويلة، واعتقال الناشطين السياسيين، والأطباء، وغيرهم من المواطنين والمقيمين، المحسوبين على طائفة معينة، فضلا عن عمليات التسريح الجماعي للموظفين في القطاعين العام وشبه العام والخاص من المحسوبين على الطائفة ذاتها".
كما أشار التقرير إلى أنه خلال فترة السلامة الوطنية وما بعدها، استخدمت الحكومة القوة المميتة المفرطة كجزء من وسائل السيطرة على التجمعات، وأن أعضاء محسوبين على بعض الجماعات الدينية، كانوا يضطرون لممارسة عقيدتهم سرا لضمان عدم تدخل الحكومة.
وذكر أنه بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق، فإن الحكومة هدمت دور العبادة، تحت مبرر أنها "غير مصرح بها"، وأنه تبعاً لتقارير فإن عناصر وزارة الداخلية طوقت أماكن العبادة هذه وأخلتها من المصلين، فيما قام عمال البلدية بهدم هذه المباني باستخدام الآلات الثقيلة كالجرافات والرافعات، والأدوات اليدوية مثل المطارق، وفي بعض الحالات، قام أفراد الأمن بعمليات الهدم، لافتاً إلى أنه وفقا لتقرير لجنة تقصي الحقائق، فإنه تم تدمير تسعة مساجد من قبل الأمن العام بمساعدة من قوة دفاع البحرين.
كما تطرق التقرير إلى اعتقال عدد من رجال الدين لارتباطهم بالمعارضة، بما في ذلك الأمين العام لجمعية أمل (المنحلة) الشيخ محمد المحفوظ، والشيخ عبدالجليل المقداد، والعضو السابق في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الشيخ عبدالعظيم المهتدي، والشيخ محمد المقداد، الذين مازالوا معتقلين.
وأشار إلى الخطاب الذي بعثه وزير العدل في شهر أغسطس/ آب 2011، إلى الشيخ عيسى قاسم واتهمه باستخدام لغة تحرض على العنف في خطبه.
وأورد التقرير ما أشار إليه تقرير لجنة تقصي الحقائق، بشأن توثيق العديد من الحالات عن استخدام الدين في التحقيقات والتقارير المتعلقة بالتعذيب، ومن بينها ما أفاده أحد المعتقلين بإهانة دينه كجزء من سوء معاملته، والتي شملت أيضا الضرب، والحرمان من النوم، والتعرض لدرجات حرارة عالية.
وبين التقرير، أنه في فترة السلامة الوطنية، بثت وسائل الإعلام الرسمية العديد من البرامج، التي تشكك في ولاء مجموعة من المواطنين، واتهامهم باستهداف الطائفة الأخرى من أجل تقسيم المجتمع إلى مجموعتين: مخلص وصادق أو عميل وخائن.
وأشارت الخارجية الأميركية إلى ما أعلنه عدد من كبار المسئولين في الحكومة عن قلقها إزاء النفوذ الإيراني على فئة معينة من المجتمع البحريني، وهي الأدلة التي اعتبرها تقرير تقصي الحقائق، لا تثبت وجود صلة بين الأحداث التي شهدتها البلاد وإيران.
واستندت كذلك إلى تقارير تشير إلى تفضيل الحكومة لمجموعة من المواطنين للعمل في المراكز الحكومية الحساسة، وفي المناصب الإدارية في القطاعين العام والعسكري، فيما يتم التمييز في مجال التوظيف والترقيات، ناهيك عن توفير الخدمات التعليمية والاجتماعية والبلدية في بعض المناطق على حساب مناطق أخرى.
وذكر التقرير أيضاً أن الحكومة تمارس الرقابة على المؤسسات الدينية الرسمية، والمراكز المجتمعية الدينية، والمحاكم الدينية، وأنها – الحكومة – وعلى الرغم من عدم تدخلها عادة مع ما تعتبره الشعائر الدينية المشروعة، إلا أنها خلال فترات الاضطرابات التي شهدتها البحرين، بما في ذلك تلك التي لها طابع طائفي، تدخلت قوات الأمن في بعض الأحيان في المواكب الدينية والجنازات.
كما أشار إلى أن الحكومة سمحت بممارسة المناسبات الدينية العامة، وأبرزها ذكرى عاشوراء، ويتابع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المواطنين الذين يدرسون الدين في الخارج، إذ تدقق الحكومة في الأشخاص الذين يسافرون إلى إيران ويختارون دراسة العلوم الدينية هناك.
احترام المجتمع للحرية الدينية
اعتبر التقرير أن التوترات والانقسامات السياسية التاريخية أثرت بشكل أو بآخر على العلاقات بين المواطنين السنة والشيعة في البحرين، وأن بعض التوترات بين الطرفين تنبع من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، لافتاً التقرير في الوقت نفسه إلى انخفاض الوضع الاجتماعي والاقتصادي لعدد من المواطنين، ناهيك عن ارتفاع معدل البطالة لفئة معينة من المجتمع البحريني، مع استمرارnالتعليقات التي تنتقد إحدى فئتي المجتمع البحريني عبر البرامج الإذاعية والمنشورات، وذلك من دون أي رد فعل رادع من الحكومة.
وجاء في التقرير أيضاً: "استمرت أعمال الشغب العادية في العديد من القرى البحرينية، والتي يستخدم فيها المتظاهرون أساليب عنيفة وأخرى غير عنيفة على حد سواء، بما في ذلك حرق إطارات السيارات وإغلاق الطرق، وإلقاء عبوات حارقة مثل قنابل المولوتوف".
وأضاف التقرير: "تنبع أعمال الشغب بسبب شعور الكثيرين بعدم مساواتهم في المعاملة من قبل الحكومة مع المواطنين الآخرين، وخصوصاً على صعيد التوظيف، فضلا عن الغضب بسبب استخدام الشرطة للقوة المفرطة في بعض الحالات. ويتم تشجيع بعض أعمال الشغب وغيرها من النشاطات غير القانونية من قبل سياسيين متطرفين".
كما تطرق التقرير إلى حالات المقاطعة الطائفية ضد بعض الشركات والمحلات المحلية، فضلا عن حوادث التخريب ضد المحلات التي يملكها رجل الأعمال البارز فيصل جواد، وأنه وفقا لتقارير صحافية فإنه تم تشكيل القوائم التي حددت أسماء ومواقع الشركات المستهدفة من أجل المقاطعة.
وأورد التقرير كذلك، ظهور بعض التعليقات المعادية لليهود من خلال الرسوم الكاريكاتيرية في المطبوعات والإعلام الإلكتروني، والمرتبطة عادة بردود الفعل بشأن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وذلك من دون اتخاذ أية ردود فعل من قبل الحكومة.
السياسة الأميركية
ذكرت الخارجية الأميركية في تقريرها، أن مسئولي السفارة الأميركية في البحرين، يجتمعون بانتظام مع الزعماء الدينيين، وممثلي منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، والجماعات السياسية لمناقشة مسائل الحرية الدينية، من بين غيرها من الموضوعات ذات الصلة بحقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن السفارة تبدي بانتظام قلقها بشأن الحرية الدينية مع مجموعة من المسئولين الحكوميين، بما في ذلك العائلة الحاكمة، ووزراء العدل والداخلية وحقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، وأعضاء مجلسي الشورى والنواب.
كما لفت التقرير، إلى أنه خلال فترة الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، ضغطت السفارة باتجاه حماية الحكومة للمواقع والحريات الدينية، وإجراء حوار مع جماعات المعارضة، وتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق.