عبدالنبي العكري
ألقى وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي خطاب البحرين أمام مؤتمر «ريو20+» تحت شعار «المستقبل الذي نريد» بشأن البيئة والتنمية، وبالطبع لم يلقَ الوزير الخطاب كما نشر لطوله ولكن جرى نشره كإعلان في كل الصحف المحلية.
بادئ ذي بدئ، كان يتوجب لمملكة البحرين في إطار إجراءات المؤتمرات الدولية للأمم المتحدة بما في ذلك مؤتمرات البيئة منذ مؤتمرها الأول في ريودي جانيرو في 1992 أن تشرك منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في المشاريع والتشريعات والسياسات المتعلقة بالبيئة والتنمية، ويشمل ذلك تشكيل لجنة وطنية للتحضير للمؤتمر، لكن الذي يحدث منذ وقت هو تجاهل المجتمع المدني بل والتضييق عليه. وهكذا اقتصر التحضير على وزارة البلديات والهيئة الوطنية للحياة الفطرية والبيئة والوزارات الحكومية وتم تجاهل جمعيات البيئة والاقتصاديين والاجتماعيين وحقوق الإنسان، واقتصر الوفد الرسمي على الوزارة والهيئة ومجلس الشورى.
والحقيقة أن الجمعيات الأهلية المذكورة حاولت وفودها الإسهام في ذلك من خلال المنظمات والشبكات الأهلية الدولية، والمشاركة في التحضير لمؤتمر «ريو+20» مثل شبكة الجنوب، والمرصد الاجتماعي، وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، وائتلاف المنظمات الحقوقية والشفافية الدولية، وكانت مقترحاتها من مكونات الوثائق التي قدمها ائتلاف المنظمات الأهلية الدولية بشأن أهم القضايا المطروحة على جدول أعمال المؤتمر مثل التنمية المستدامة والعادلة، والاقتصاد الأخضر، والحق في الغذاء، ونقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وديون العالم النامي.
هذا التحالف الدولي، عمل خلال مراحل التحضير للمؤتمر مثل الاجتماع التحضيري في جنيف، وقمة العشرين في المكسيك، على التأثير في مواقف الدول وخصوصاً الدول الكبرى، وبالتالي على مخرجات مؤتمر «ريو20+».
وعلى الصعيد الوطني، وعلى رغم غياب تحالف وطني أهلي حول البيئة والتنمية، وهو شيء مؤسف ينطبق على قضايا أخرى، فقد سعت المنظمات الأهلية المنضوية تحت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، للمشاركة في المؤتمر بأحد أعضائها المتخصصين، والتقت بمدير مكتب الأمم المتحدة للبيئة في البحرين، لتمويل مشاركته لكنهم اعتذروا كما تمت مخاطبة بعض شركات الطيران لتأمين تذكرة للمشارك دون جدوى وبالطبع لم تبادر أي من الجهات الرسمية لرعاية ممثلي المجتمع المدني.
خطاب رسمي لعالم افتراضي
إذا ما راجعنا الخطاب الذي ألقاه الوزير الكعبي، سنجد أنه يتحدث عن عالم افتراضي للبحرين وليس البحرين كما عشناها ونعيشها، إنه يتحدث عن إنجازات وهمية ويقفز على واقع مر في مختلف النواحي.
فبالنسبة للتنمية المستدامة التي تحافظ على البيئة، فالكل يعرف أنه غير مستدامة والأرقام سواء حول التنمية، معدل الدخل أو البطالة، غير دقيقة، فالكل يعرف أن البطالة في ارتفاع، والفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد وشريحة الفقراء تزداد كما تدل على ذلك أرقام المستفيدين من المساعدات الاجتماعية الرسمية والأهلية، وطوابير المنتظرين للإسكان تزداد والفجوى بين العرض الذي تقدمه وزارة الإسكان والمطلوب تجاوزت ألف طلب ما انعكس على تردي الأوضاع المعيشية لغالبية البحرينيين.
وقد صنفت منظمة الراصد الاجتماعي في تقريرها للعام 2011 مملكة البحرين بأنها من ضمن أخطر عشرة بلدان في شحة الموارد المائية، واستنفاذها وتدهور نوعيتها.
أما التدمير البيئي الممنهج فحدث ولا حرج، فلقد دفنت أهم شواطئ البحرين في المحافظة الشمالية والعاصمة والوسطى، وجرى استئصال المئات من بساتين النخيل، وأقيمت محلها مجمعات الأسمنت، وجرى طمر البحار، وإقامة مشاريع عقارية عملاقة لا علاقة للبحرينيين بها، وهو ما عرضه بالتفصيل د.عمر الشهابي في كتابه «استئصال المواطنين – مشاريع الخليج العقارية العملاقة»، وهكذا فقدت غالبية القرى سواحلها وخلجانها وشواطئها وبساتينها، وأضحت مطوقة بغابات الأسمنت، وتدهورت البيئة البحرية والثروة البحرية من جراء الأعمال الجائرة، حيث بيّن تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق في أملاك الدولة الاستيلاء على 65 كيلومتراً مربعاً من أراضٍ مدفونة أو أراضٍ قائمة للدولة أو بالأحرى تعود ملكيتها للشعب.
كما جرى جرف ملايين المكعبات من رمال البحر، للدفن محدثة ضرراً مضاعفاً، فأضحت البحرين مستورداً للأسماك بعد أن كانت مصدراً لها، وجرى تدمير أشجار القرم والخلجان التي تشكل بيئة طبيعية لتكاثر الثروة البحرية، واندثرت أنواع عديدة من النباتات والأسماك والحيوانات البحرية إلى الأبد، وقلّ كثير من أنواع الطيور المستوطنة بسبب تدمير البيئة البحرية والأرضية والجوية، أي تدهور التنوع البيولوجي.
تعد البحرين من أكثر البلدان تلوثاً، ويتمركز السكان في ثلث مساحة البلاد بينما جرى الاستيلاء على الثلثين، حيث اكتظاظ السكان والسيارات والمصانع والعديد منها ملوث للبيئة، وهكذا نرى زيادة خطيرة في الإصابة بمختلف أنواع السرطانات، والإصابة بالنوبات القلبية، ونوبات صعوبة التنفس مقارنة حتى بالبلدان الخليجية المجاورة.
ومما يفاقم الوضع الحالي، هو لجوء قوات الأمن منذ 14 فبراير/ شباط 2011، إلى استخدام الغازات الخانقة على نطاق واسع وكعقاب جماعي للاحتجاجات، ما تترتب عليه العشرات من الوفيات وحالات الإجهاض والآلاف من حالات الاختناق ولا نعرف الآثار البعيدة المدى المترتبة عليها.
البحرين أرخبيل الـ 33 جزيرة وتمتلك مئات الكيلومترات من الشواطئ الرملية وكانت مشهورة بعيون المياه المتدفقة في البر والبحر، وبساتين النخيل والأشجار المثمرة، لهذا أطلق عليها البابليون والأشوريون جنة الخلود، وأسطورة انكيدو مشهورة لذا اختاروها مدفناً مقدساً ويشهد على ذلك الآلاف من التلال الأثرية، لكن ذلك أضحى من الماضي.
جرى وضع اليد على غالبية الجزر وأضحى البحرينيون محشورين في بعض من أربع جزر فقط هي المنامة، والمحرق، وسترة والنبيه صالح، وحرموا من غالبية السواحل التي أضحت ملكيات خاصة، حيث صرح وزير بلديات سابق أن 7 في المئة من سواحل البحرين متاحة للجمهور، وأضحت غالبية القرى مجرد ميناء لقوارب الصيد، وممشى، وإطلالة على البحر.
البحرين مطوقة بالجدران المحيطة بالمجمعات السكنية للأجانب، والمشاريع العمرانية العملاقة الفارهة وغيرها الكثير من المشاريع التي ستأتي في طريق المستقبل القريب، وهي محرمة على من لا يسكنها وغالبية سكانها من غير البحرينيين، ولا عجب فقد أصبحنا أقلية وغرباء في وطننا، وتسهم وزارة الداخلية في تشديد الحصار بوضع الأسلاك الشائكة على المساحات الفارغة، في عمليات العقاب الشاملة ضد غالبية شعب البحرين، بدءاً بموظفي الوزارات، والمجالس البلدية المنتخبة وهدم المساجد، وإلغاء مشاريع القرى لاعتبارات تمييزية، وبالتالي أسمهت في تراجع البحرين في جميع المجالات المعني بها مؤتمر «ريو +20»، مثل التنمية المستدامة والعادلة، والمحافظة على البيئة، ومشاركة المجتمع المدني في رسم وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والتنمية والحق في بيئة نظيفة، وضمان حياة لائقة للجيل الحالي والأجيال القادمة.
لذا نستغرب ما جاء في كلمة الوزير أمام مؤتمر «ريو20+» من محاولة إبهارنا بالمنجزات العظيمة لمملكة البحرين في تحقيق أهداف «المستقبل الذي نريد» ودورها الإقليمي والعربي والدولي في ذلك. كان الأجدر بالوزير أن يقر ببعض الواقع المأساوي كمدخل لمعالجته، ولكن كلام الوزير يندرج في إطار سياسة الإنكار الكامل للواقع من قبل الجهات الرسمية التي تعيش في عالم افتراضي.
أما الوزارات الأخرى والتي ذكر إنجازاتها مثل: وزارة الصحة، فالكل يعرف العقاب الجماعي ضد أصحاب المهن الطبية وما جرى بعد ذلك من تدهور في الخدمات الصحية، وهي وصمة عار لم ترتكبه أي دولة أخرى، ووزارة التربية والتعليم التي انتقمت من عشرات الأكاديميين ومئات التربويين والطلبة في مختلف مراحل الدراسة، ما ترتب عليه خسارة فادحة للمئات وتدهور في مستوى التعليم. ووزراة الإسكان العاجزة عن حل المشكلة الإسكانية بل وتفاقمها.