زغلول النجار
منذ اليوم الذي نطقت فيه محكمة الاستئناف بحكم البراءة لتسعة من الكادر الطبي من جميع التهم التي وجهت إليهم، والناس بمختلف توجهاتهم في ذهول كبير، ويتحدثون بصوت عال عن مأساة الكادر الطبي طوال الفترة الماضية، وهم يتساءلون بينهم عن أصل القضية، وكيف حولت القضية الوهمية إلى قضية جنائية كبرى؟ ولماذا تناولتها الوسائل الإعلامية المتنوعة، المرئية والمسموعة والمقروءة وقدمتها للناس وكأنها حقيقة؟ ولماذا قامت بالتشهير بهم ونعتهم بنعوت غير لائقة وبعيدة عن اللباقة المهنية؟ ولماذا عقدت المؤتمرات الصحافية، وأعدت البرامج التلفزيونية والإذاعية من أجل طمس الحقيقة؟ ولماذا راح البعض من كتاب المقالات والأعمدة النيل من مكانتهم الطبية و الوطنية والإنسانية؟ ولماذا نسجوا القصص والروايات الخيالية التي تهدف إلى الإساءة إليهم والتشهير بهم والتأجيج الطائفي ضدهم؟ من حقهم أن يسألوا، لماذا استخدمت معهم كل تلك الشدة المفرطة بكل ألوانها ومسمياتها؟ لماذا انتهكت حقوقهم المهنية والإنسانية بهذه النسبة الكبيرة التي فاقت كل التصورات؟ والتي أثبتتها ودونتها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في تقريرها الذي قدمته في (23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011)، وكتبت عنها وأدانتها عشرات المنظمات الحقوقية الدولية، وانتقدتها وأعلنت عن قلقها الكثير من الدول العالمية وأصدر الاتحاد الأوروبي بيانات تنديدية بها أكثر من مرة، لم يعد ما تعرض له الكادر الطبي من انتهاكات مهينة لحقوقهم الإنسانية والمهنية خافية على أحد، وقد أفصحوا هم ونقصد الكادر الطبي مرات كثيرة عن حجمها وهولها وفضاعتها وقساواتها بكل وضوح أمام القضاة وتحدثوا بصوت عال سمعه كل العالم، عن حيثيات ما أصابهم من الأذى النفسي والجسدي وقت وجودهم في السجن الذي لم يخطر ببالهم أبدا، السؤال الذي يطرحه العقلاء، هل انتهت القضية إلى هذا الحد، أم القضية بدأت قانونيا مع كل الأطراف التي كان لها الدور البارز في تضليل الرأي العام الداخلي والخارجي؟ أليس من حق المجتمع بكل أطيافه وفئاته أن يطالب بمقاضاة كل الجهات التي سخرت بهم واستخفت بعقولهم طوال المدة الماضية؟ بالتأكيد لا أحد يستطيع أن يطعن في حكم البراءة، مادام الأمر كذلك، وبعد أن أصبحت القضية واضحة جلية للعالم، نقول بكل صراحة إلى كل من شهد ضدهم زورا وبهتانا وضلل المحكمة، ومن كتب المقالات والأعمدة التحريضية، ومن قدم البرامج التلفزيونية والإذاعية التي أججت المشاعر الطائفية، ومن عقد المؤتمرات الصحافية وأكد فيها خلاف ما توصلت إليه المحكمة، ومن سافر إلى مختلف الدول العالمية لنقل صورة مغايرة عن الحقيقة، هل يمتلكون الشجاعة الأدبية والأخلاقية والوطنية والإنسانية، ويعتذرون للوطن أولا، وللكادر الطبي الذي ظلمتموه ثانيا، وللمواطنين الذين أخفيتم عنهم الحقيقة ثالثا، ويعلنون على رؤوس الأشهاد عن الأسباب الحقيقية التي دفعتهم إلى التعامل مع القضية بهذه الأساليب التضليلية التي أثبتها الحكم القضائي بأنها متجنية إلى أبعد الحدود؟ أليس من حقهم قانونيا وحقوقيا وإنسانيا المطالبة بمحاسبة كل من أساء إليهم بالقول أو الفعل، وطلب التعويضات عن الأضرار التي أصابتهم جسديا ونفسيا ومعنويا ومهنيا، ورد الاعتبار إليهم بذات الوسائل التي استخدمت للتشهير بهم وحياكة القصص الخيالية عليهم، التي مست عمق مشاعرهم الوطنية والمهنية والإنسانية؟ والله نسأل أن يفرح الوطن ببراءة العدد المتبقي من الكادر الطبي، لتكتمل الصورة الحقيقية لهذه القضية.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3585 – الأحد 01 يوليو 2012م الموافق 11 شعبان 1433هـ
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.