في الوقفة التضامنية مع ضحايا التعذيب
حقوقيون: حان الوقت لحلحلة ملف العدالة الانتقالية للخروج من الأزمة
أكد حقوقيون أن الأوان قد آن لحلحلة ملف العدالة الانتقالية بغرض الخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد، داعين في الوقت نفسه إلى وقف سياسة الإفلات من العقاب، وإلى تكثيف الجهود الأهلية من أجل توثيق حالات التعذيب.
جاء ذلك خلال الوقفة التضامنية التي نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، مساء يوم أمس الثلثاء (26 يونيو/ حزيران 2012)، بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.
وفي هذا الصدد، قال الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين: «قبل عشرة أعوام دشنّا في الجمعية أول احتفالية بهذه المناسبة، والتي شارك فيها نيابة عن عاهل البلاد، وزير الدولة – آنذاك – محمد حسن كمال الدين، واستبشرنا خيراً حينها، إذ اعتقد أن الحكومة تسعى لفتح صفحة جديدة طوت من خلالها صفحات التعذيب».
واستدرك بالقول: «إلا أننا فوجئنا بعد ذلك وعلى مدى أعوام، بعودة سياسة التعذيب، والتي كانت على أشدها خلال الظروف التي مرت بها البلاد منذ أكثر من عام، وانتقلنا من مرحلة مداواة الجروح السابقة إلى مرحلة جديدة من التعذيب».
وأشار كمال الدين، إلى أن ما جرى من انتهاكات موثقة بالصوت والصورة، وكان الأكثر وضوحا فيها، هم من تعرضوا إلى التعذيب الذي أفضى إلى الموت، ناهيك عن الاعتقالات المخالفة للقانون واستخدام الكلمات النابية خلال التفتيش والاعتقال والمس بالشرف والأخلاق، على حدّ تعبيره.
وقال: «قبل خمسة أعوام شكلت الجمعية بالتعاون مع عشر جمعيات، تحالفاً للمصالحة والإنصاف، وكان هناك حضور رسمي نيابي في الفعالية التي تم من خلالها تدشين هذا التحالف، وشعرنا أننا مقبلون على مرحلة إيجابية لحل هذا الملف، ولكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد».
وأضاف «حان الوقت لحلحلة ملف العدالة الانتقالية لنخرج من الأزمة، وعلينا أن نعود جميعاً لميثاق العمل الوطني الذي توافق عليه شعب البحرين، وعلى البحرين الانضمام للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب. كما يجب أن يتوقف العنف والعنف المضاد، ولتكن لغة الحوار هي الملهم لنا. فشعب البحرين لا يقبل أن يكون ضحية لهذه الصراعات».
أما المحامي محمد التاجر، فأشار إلى أنه في الأعوام السابقة، كانت حالات التعذيب تتركز في القضايا الأمنية الكبيرة، كقضية كرزكان على سبيل المثال، لافتاً إلى أن ذلك تزامن مع صدور تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» بعنوان «التعذيب يعود من جديد في البحرين»، والذي صدر في العام 2010، وهو التقرير الذي وثق، بحسب التاجر، حالات التعذيب بصعوبة وحرفية، وخلص إلى وجود التعذيب الممنهج في البحرين.
وقال: «إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين، خلفت وجود ضحية للتعذيب في كل بيت تقريباً، وأصبح التعذيب ليس بحاجة إلى متخصصين للحديث عنه، فلكل منا تجربته».
وأضاف «التعذيب في مراحل التوقيف وعند التحقيق ينهال على الجميع من أجل الاعتراف، وكأنه عمل ممنهج. وهناك أفعال تعذيب أنأى بنفسي عن ذكرها سمعناها من الرموز وغيرهم في المحاكم، وهذه الممارسات تتم بصورة منهجية واضحة، والدليل اتباع الأساليب المتشابهة».
وأكد التاجر على أهمية دور المدافعين عن حقوق الإنسان في توثيق حالات ضحايا التعذيب، مشدداً على ضرورة العمل في إطار مجموعات حقوقية من أجل إعادة تأهيل ضحايا العنف.
وقال: «ضحايا التعذيب بحاجة إلى حملة وطنية تتضافر فيها جهود الجميع، وعلى الدولة إعادة تأهيل ومساندة الضحايا، وخلنا في وقت من الأوقات أننا سائرون إلى المصالحة قبل عشرة أعوام، ولكن لم يحدث شيء إيجابي على هذا الصعيد، ومازال التعذيب يتكرر في الوقت الحالي».
وختم حديثه بالتأكيد على ضرورة مساهمة الجميع من أجل تقديم النصح والمساعدة النفسية والروحية لضحايا التعذيب، منوهاً في الوقت نفسه بدور الأطباء على هذا الصعيد، بالمبادرة في تقديم خبراتهم لعلاج وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب.
أما عضو مركز البحرين لحقوق الإنسان يوسف المحافظة، فقال: «مازال المتهمون بالتعذيب الذي أفضى إلى موت عدد من الضحايا خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد خارج الاعتقال، في حين أن الناشط الحقوقي نبيل رجب، مازال يحاكم وهو خلف القضبان بسبب نشر تغريدة له على (تويتر)».
وأضاف «التعذيب في البحرين ممنهج بغرض انتزاع الاعترافات، وهذا ما أكدته عدد من التقارير الدولية التي تناولت التعذيب في البحرين، وتداعيات الأحداث الأخيرة عززت ما جاء في هذه التقارير الدولية، وخصوصاً مع وجود التعذيب الذي أفضى إلى موت عدد من الضحايا خلال العام الماضي».
وتطرق المحافظة إلى ما تعرض له الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة من تعذيب، أثناء اعتقاله وقبل التحقيق معه، وحتى بعد أن تم اعتقاله، مشيراً إلى أن الأخير تعرض إلى الضرب والركل في جميع أنحاء جسده، ناهيك عن تعرضه لضربة شديدة بأداة حديدية أدت إلى نزفه وإصابته بكسور شديدة في الوجه، وإصابات أخرى في اليد والأنف، استدعت التدخل الجراحي.
وأكد المحافظة، أن التعذيب وبشهادة المنظمات الدولية، لم يتوقف في البحرين، حتى بعد صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وذلك بسبب استمرار ثقافة الإفلات من العقاب.
ومن جانبه، اعتبر رئيس دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق السيد هادي الموسوي، أن جدلية ممارسة التعذيب ليست هي المشكلة، وخصوصاً بعد ثبوت ممارسة التعذيب من قبل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وإنما تكمن المشكلة في سياسة الإفلات من العقاب، على حدّ تعبيره.
وقال: «في كثير من شكاوى التعذيب التي تلقيناها في الجمعية، تبين أن التعذيب قد مورس بغرض الإهانة أو التعذيب من أجل التسلية وليس بغرض الاعتراف والحصول على معلومة، والدليل على ذلك، مطالبة بعض المعتقلين بتقليد أصوات الحيوانات».
وتابع «هناك من عانى من الحرمان من النوم وأداء الصلاة، وتهديده بالاعتداء الجنسي، وغيرها من أساليب التعذيب. وكنت أحد من تعرض للتعذيب في فترة الثمانينات، وكنا نسمع أشخاصاً يتعرضون للتعذيب في غرف مجاورة لنا، وهو ما يجعلنا نتعذب مرتين، بسبب عدم تمكننا من تخفيف ألمهم من جهة، ولترقب دورنا بالتعذيب».
وأضاف «تم توثيق نحو 150 حالة تعذيب لامرأة، و98 حالة لأشخاص لم يكملوا 18 عاماً، و9 حالات تعذيب لذوي الاحتياجات الخاصة».
وأشار الموسوي إلى أن الشكاوى التي تلقتها الجمعية قد لا تصل إلى 50 في المئة من نسبة الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب في المعتقل.
وقال: «هناك من تعرضوا لانتهاكات لحقوقهم، وكانوا يخشون الحديث عنها، خوفاً من التعرض لانتهاك أكبر، فهناك على سبيل المثال، طالب جامعي يدرس الطب في السعودية، تم فصله في السنة الأخيرة من دراسته، وكان يخشى الحديث عن قضيته».
وختم الموسوي حديثه بالتأكيد، على أن التاريخ لا ينسى جرائم التعذيب، والتي لا تسقط بالتقادم.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3581 – الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ