يبدو أن الاصلاحات الاقتصادية في البحرين التي حظيت بالاشادة ذات يوم باعتبارها الأكثر طموحا في منطقة الخليج قد توقفت إذ أن المحافظين من الأسرة الحاكمة السنية الذين يرون في المحتجين الشيعة تهديدا للدولة قد نحوا الإصلاحات جانبا.
ورسخ الصقور في أسرة آل خليفة وضعهم بعد أن تفجرت حركة احتجاج مطالبة بالديمقراطية تقودها الأغلبية الشيعية العام الماضي في أعقاب انتفاضات ناجحة في مصر وتونس.
فقد نحوا جانبا حوارا سياسيا مع أحزاب المعارضة دعا إليه ولي العهد الأمير سلمان وفرضوا الأحكام العرفية واعتقلوا الالاف وعقدوا المحاكم العسكرية.
لكنهم حولوا اهتمامهم إلى الاصلاحات الاقتصادية التي دعمها ولي العهد منذ أن تولى والده الملك حمد عرش البلاد عام 1999 وأعاد الحياة البرلمانية للدولة الخليجية لانهاء انتفاضة قادتها الأغلبية الشيعية في التسعينيات.
وكان الهدف من هذه الاصلاحات هو خفض الاعتماد على العمالة الأجنبية من خلال توفير تدريب شامل على الوظائف للبحرينيين واجتذاب الاستثمارات إلى مركز للخدمات المالية وخلق اقتصاد قادر على الاستمرار رغم تناقص موارده النفطية وبدون الاعتماد على السعودية المجاورة.
وتتقاسم السعودية مع البحرين بعض الحقول النفطية التي تسهم بنحو 70 في المئة من ايرادات الميزانية في بلد لا يزيد عدد سكانه عن 1.2 مليون نسمة 660 ألفا من بينهم من الأجانب.
وقال جاستن جينجلر الباحث في شؤون البحرين المقيم في الدوحة "الفكرة كانت انه من خلال التوسع التدريجي في الحريات السياسية وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين يمكن أن تحل البحرين مشكلة الاضطرابات المزمنة التي وقعت في التسعينيات في عهد والد الملك."
لكن السلطات التي يهيمن عليها رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان ووزير الديوان الملكي خالد بن أحمد وأخوه خليفة بن أحمد الذي يرأس الجيش كبحت الاصلاحات السياسية التي يطالب بها المحتجون.
ويبدو أنهم قد تولوا ملف الاصلاحات الاقتصادية وكبحوا طموحاته أيضا.
يقول جينجلر إن وجه نظرهم تتمثل في أن الشيعة المحرومين من حقوقهم تاريخيا والذين كان من المقرر أن يكونوا الفئة الأكثر استفادة من الاصلاحات أثبتوا من خلال احتشادهم في الشوارع أنهم يمثلون تهديدا أمنيا للمملكة التي يحكمها آل خليفة.
وشمل وقف الاصلاحات استبدال رؤساء المؤسسات الرئيسية باخرين وتعديل صلاحياتهم. كما عززت العملية شبكات المحسوبية المرتبطة بالموارد الخاضعة لسيطرة شخصيات مهمة في الدولة.
وأشار محللون ومواطنون بحرينيون وأجانب يعملون في بعض هذه المؤسسات وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم خشية العواقب إلى سلسلة من التغيرات ذات الدلالة التي تكشف عن الاتجاهات الجديدة في الاصلاح الاقتصادي.
فقد استبعد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية الذي يحظى بثقة ولي العهد من منصبه في مارس آّذار وتحول المجلس الذي كان اللاعب الأساسي في رسم السياسات الاقتصادية – ويستضيف الاجتماعات الوزارية الأسبوعية- إلى هيئة استشارية بلا أي صلاحيات تنفيذية.
واستبعد مسؤولون كبار من هيئة تنظيم سوق العمل وصندوق تمكين للتدريب على الوظائف اللذين شاركا في الاشراف على اصلاحات سوق العمل التي تحسب ضرائب الشركات على أساس عدد الأجانب العاملين بها وتستخدمها في الأساس لتدريب البحرينيين.
واستبعد رئيس هيئة تنظيم سوق العمل وهو شيعي بعد أن اتهمه أشخاص خلال اتصالات بالتلفزيون الرسمي أثناء الحملة الصارمة ضد الاحتجاجات العام الماضي بالتمييز ضد السنة. ومنعت الحكومة تمكين من تحصيل ضرائب من الشركات وتريد تخفيض النسبة المئوية المخصصة للتدريب الوظيفي.
كما حدثت تغييرات في صفوف العاملين في ممتلكات صندوق الثروة السيادية وجامعة بوليتكنك البحرين مما أثار المخاوف من أن تخفض أعداد من تقبلهم من الطلاب فضلا عن كلية البحرين للمعلمين.
ولم تتمكن هيئة شؤون الاعلام التابعة للحكومة من ترتيب لقاءات مع مسؤولين في هيئة تنظيم سوق العمل وتمكين لكن جمال فخرو نائب رئيس مجلس الشورى البحريني قال إن الاصلاحات الاقتصادية لا تزال تمضي في مسارها.
وأضاف أن هيئة تنظيم سوق العمل لا تزال تعمل وليس هناك تغييرات في اللوائح. وقال إن الفكرة هي زيادة جاذبية المواطن البحريني لأصحاب العمل وان السلطات تعمل على زيادة تكاليف تأشيرات دخول الأجانب واستخدام هذه الأموال في تنمية البحرينيين.
وأردف أنه لا يشعر بالقلق وأن الاصلاح ربما يكون أسرع الآن. وذكر أن المبادرات الجديدة ستأتي مباشرة من الحكومة بدلا من مجلس التنمية الاقتصادية.
وقال فخرو إن رئيس هيئة تنظيم سوق العمل أنهى فترة عمله بالمنصب ورفض المزاعم بوجود دوافع طائفية وراء رحيله وأضاف أن تمكين ستستأنف تحصيل رسوم العمالة اعتبارا من يوليو تموز.
لكن كثيرين يخشون من تهميش ولي العهد.
وقال مراقب بحريني قريب من الدوائر الرسمية "الشيء الوحيد الذي لا يزال في يد ولي العهد هو برنامجه للمنح الدراسية الذي يستند إلى الجدارة وليس طائفيا أو قبليا وسباق البحرين ببطولة فورمولا 1."
وجلب الأمير سلمان بطولة فورمولا 1 للسيارات إلى البحرين عام 2004 لكن السباق فشل في اجتذاب الاستثمارات وخلق الوظائف كما كان متصورا بينما انصب عليها غضب المحتجين في أبريل نيسان هذا العام.
وبالرغم من أن برنامج المنح الدراسية لم يسقط ضحية للمشاعر المعادية للشيعة يقول بعض البحرينيين إنه لا يلقى نفس الاهتمام من وسائل الاعلام الحكومية والشركات الراعية كما كان الحال من قبل كما خسرت بعض الشركات العائلية الكبيرة التي أبدت تعاطفا مع الانتفاضة عقودا حكومية لصالح شركات موالية.
وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط في سيتي جروب "الشعور الغالب هو ان القضايا السياسية والأمنية لها الأسبقية على أي اصلاح اقتصادي.
"يبدو أن طاقة الحكومة تركز أكثر على استعادة الاستقرار والتعامل مع النتائج السياسية للاضطرابات التي شهدناها خلال الثمانية عشر شهرا الماضية."
وقد يكون للضربات التي تتلقاها المشروعات التنموية التي يرعاها ولي العهد مردود في الشارع. فقد شكل القرويون الشيعة الفقراء نواة حركة الاحتجاجات التي تواصلت بلا هوادة بالرغم من فرض الأحكام العرفية لمدة ثلاثة أشهر العام الماضي.
ويفتخر المسؤولون في مجلس التنمية الاقتصادية بالجهود التي بذلوها العقد الماضي لانهاء تهميش الكثير من القرى الشيعية التي تفتقر للطرق الممهدة وغيرها من الخدمات.
وقال مسؤول حكومي "حدث اختلاف هائل في السنوات القليلة الماضية في القرى التي غابت عنها التنمية تماما وهناك مجال سياسي أمامها أيضا."
ولا تفرض البحرين التي تتراجع مواردها النفطية أي ضرائب على الدخل ويستمتع بعض البحرينيين بمستويات معيشة مرتفعة لكن أشكال التفاوت كانت محركا أساسيا للغضب.
وتباطأ نمو الاقتصاد البحريني في الثلاثة شهور الأخيرة من 2011 في علامة على استمرار تأثر الشركات بالتوترات السياسية بينما تسعى الحكومة جاهدة لسحق الانتفاضة.
وتباطأ نمو الناتج المحلي الاجمالي المعدل وفقا للتضخم إلى 1.3 بالمئة على أساس فصلي من 2.2 في المئة في الربع الثالث من 2011 حسبما أظهرت بيانات نشرت في مارس آذار.
ويدفع البعض في القطاع المالي بأن هذه البيانات كان يمكن أن تكون أسوأ ويرجعون الفضل إلى قوة كامنة في الاقتصاد البحريني بسبب عقد من الاصلاحات.
وعزا مصرفي غربي في المنامة التباطؤ الحالي جزئيا إلى الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008. وانسحب بعض البنوك من البلاد ولا يزال بعض المكاتب الادارية ومن بينها مقر شركة مرفأ البحرين المالي شاغرا.
وأضاف "المسألة لا تتعلق بالضبابية بسبب العام الماضي..بدأ نزوح البنوك الغربية قبل هذه الأحداث." وذكر أن جهود إصلاح سوق العمل تواجه مشكلات بالفعل لأسباب أخرى.
واستطرد المصرفي قائلا "كانت فكرة جيدة أن تفتح سوق العمل وتحصل على أموال لتدريب الناس لكن كان عليهم إعادة النظر في تلك الاصلاحات." بالرغم من أنه رفض فكرة أن أطرافا نافذة في دوائر الأعمال هي التي عارضت هذه الاصلاحات بقوة.
ويبدو أن الحكومة تراهن على المساندة السعودية في غياب حل سياسي مع جماعات المعارضة التي تريد حكومة منتخبة ديمقراطية وصلاحيات تشريعية للبرلمان المنتخب واقالة رئيس الوزراء الذي يشغل المنصب من عام 1971.
وقال المراقب البحريني "الجميع يتحدثون عن الأموال السعودية. أصحاب أنصار التيار المحافظ هم من يتحكمون في النظام الجديد وأي شيء سيحدث من خلالهم… إذا ما أبلغت الناس أن النظام المالي سينهار سيقولون "نعم" لكن لدينا السعودية."
وتعهدت الرياض ودول خليجية أخرى العام الماضي بأن تدفع عشرة مليارات دولار لكل من البحرين وعمان خلال عشر سنوات لأغراض الانفاق الاجتماعي والاقتصادي لدعم حكومتي البلدين في مواجهة الاضطرابات.
وقال سوسة من سيتي جروب "بدأت بمساندة للميزانية- يشكل مليار دولار يقدمها مجلس التعاون الخليجي للبحرين سنويا جزءا مهما من هذه المساندة ثم امتد الأمر لما هو أبعد إلى صناعة النفط والغاز."
وأضاف سوسة أن انخفاض أسعار النفط العالمية في الأسابيع القليلة الماضية كانت أسوأ بالنسبة للاقتصاد البحريني منها على باقي اقتصادات الخليج نظرا لاحتياج المنامة لأسعار مرتفعة لتحقق التوازن في ميزانيتها- وهو ما يقدره محللون بسعر فوق 100 دولار للبرميل مقابل 80 دولارا أو أقل للبلدان الخليجية الأخرى. وقد يدفع هذا المملكة الصغيرة أكثر إلى أحضان السعودية.
ومنحت شركة أرامكو النفطية السعودية الحكومية البحرين كل انتاج حقل أبو صفا خلال انخفاض أسعار النفط في التسعينيات لكن تم تقسم انتاج الحقل مناصفة منذ عام 2004. وأسهم نصيب البحرين البالغ 150 ألف برميل يوميا بنحو 70 بالمئة من ميزانيتها العام المنصرم.
لكن جاسم حسين الاقتصادي والعضو البارز في جميعة الوفاق الوطني المعارضة قال إن الخيار السعودي ليس بديلا قابلا للاستمرار.
وأضاف أن مساندة السعودية ليست واضحة ومستمرة وليست الطريق الصحيح لتمضي البلاد قدما فيجب أن تعيش البحرين وفقا لامكانياتها. إلا أنه أشاد بجهود تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والرحلات الخارجية التي يقوم بها ولي العهد لجذب الاستثمارات.
وتابع أن مبادرات ولي العهد أحدثت تغييرا لكن الوقت لم يكن في صالحه. وذكر حسين أن المحافظين سرقوا برنامجه تقريبا ولا يعبأون بعواقب ذلك على البلاد.
مجلة الجزيرة العربية » البحرين
من أندرو هاموند ـ رويترز