الثقة بالمالكي اختبار للنفوذ الإيراني
(إعدام عبد حمود- نموذج)
بقلم المحامي حسن بيان
منذ وضعت القوات الأميركية نفسها على سكة الانسحاب من العراق، تحت تأثير فعاليات المقاومة الوطنية، دخلت الساحة العراقية نفق التجاذبات السياسية، لملء الفراغ السياسي والأمني الذي سيخلفه خروج قوات الاحتلال، وقد بدا واضحاً، أن الطرف الأكثر اندفاعاً، لإقامة مواطئ قدم سياسية وأمنية على أنقاض الوجود الأميركي هو النظام الإيراني، كونه يرى نفسه، المؤهل لوراثه الدور الأميركي، نظراً لما يعتبره ثمناً لخدمات جلى قدمها للمحتل الأميركي، قبل الاحتلال وبعده، ونظراً لكونه هو صاحب مشروع أصلي خاص حيال العراق، الذي يعتبره مجالاً حيوياً لأهدافه التوسعية، و ان تمكنه من احتوائه سياسياً وأمنياً ومرجعاتياً، يعطيه أوراق ضغط قوية على العمق القومي العربي ومدخله منطقة الخليج العربي.
إن النظام الإيراني، الذي يرى أن إمساكه بالورقة العراقية، هي الجائزة الكبرى التي يمكن أن يحصل عليها، في عملية تقاسم النفوذ في المنطقة، يعرف جيداً أنه لا يستطيع ذلك مباشرة وعلى المكشوف، لأنه يدرك بأن الشعب في العراق ليس ودوداً تجاه النظام الإيراني، كونه يعي جيداً أبعاد المطامع الإيرانية في العراق، ولهذا، سعى ويسعى لأن يغلف دوره وتأثيره عبر أدوات عراقية داخلية. وأنه في مجال المفاضلة بين الأدوات الداخلية، كان المالكي وما يمثل خياراً أول. ولأجل تقوية مواقع هذا الخيار، عمدت أجهزة النظام الإيراني إلى أحداث انشطارات في قوى وكتل سياسية كانت لفترة تتماهى معه، وما جعله يتشدد بتمسكه بالمالكي، هو أن الأخير وضع موضع الاختبار العملي في استجابته لسلة المطالب الإيرانية، وهذا الاختبار بدأ منذ اللحظة التي أنيطت بالمالكي رئاسة الحكومة في ظل الاحتلال واستمرت بعد انتهائه. وهذا الاختبار تمحور حول أربعة عناوين.
العنوان الأول: الموقف من حزب البعث، ورموزه القيادية وكوادره، حيث تحتل هذه المسألة الأولوية لدى النظام الإيراني، لإدراكه بأن حزب البعث، هو وحده القادر على حمل لواء مشروع مقاوم لصد النفوذ الإيراني وتأثيراته المختلفة. وهذه القدرة اختبرت في مواجهة الثماني سنوات من الحرب بين العراق وإيران، كما اختبرت في التصدي للعدوانية الأميركية بكل شبكة تحالفاتها، وكان أبرز تجليات نتائج هذا التصدي دحر الاحتلال. والنظام الإيراني الذي يعرف هذه الحقائق جيداً، يدرك بأن من يستطيع هزم أميركا واحتلالها المباشر، لن يمكنه من السيطرة على العراق واحتلاله مجدداً، ولهذا، احتلت مسألة مواجهة حزب البعث أولوية عنده، ومن يريد أن يقدم أوراق اعتماده لديه من الأدوات العراقية، فمدخل ذلك تنفيذ الأجندة الإيرانية حيال حزب البعث.
وكون المالكي نجح في الاختبارات الأولى، فهو يستمر رهاناً إيرانياً على إدارة ما يسمى بالعملية السياسية، وأنه في كل مرة يتعرض هذا الرهان لاهتزاز، يتقدم المالكي بورقة عمل جديدة، وأول بنودها التصدي للبعث فكراً وتنظيماً وقيادة وكوادره فبداية كان الاشتراك في "مطبخ" بريمر لسن تشريع قانون اجتثاث البعث وبعدها جاءت الصفيات والاعتقالات، وأبرزها محطة اغتيال القائد صدام حسين وقادة بعثيون آخرون بعد محاكمات صورية. وفي لحظة وقوف القوات الأميركية على مشارف انسحابها من العراق، شن حملة اعتقالات واسعة ضد البعثيين، وفي لحظة اشتداد المأزق مؤخراً، أقدمت أجهزة المالكي على تنفيذ حكم الاعدام بالمناضل عبد الحمود، والتي تشير المعطيات إلى أن ذلك يأتي في سياق حملة جديدة من التصفيات ضد القادة والمناضلين البعثيين. ولهذا فإن تنفيذ حكم الإعدام بالمناضل عبد الحمود، إنما يأتي في سياق الحملة ضد البعث، وتنفيذاً لأوامر إيرانية، وبرهاناً من المالكي بأنه ينفذ الأجندة الإيرانية.
أما العنوان الثاني، فهو الموقف من أي دور غير إيراني في العراق ان النظام الإيراني الذي قدم نفسه شريكاً تنفيذياً في احتلال العراق، يريد حصته، وحصته الصافية هي استفراده بالعراق والحاق الأخير بمشروعه، وفي أسواء الحالات أن تكون له أرجحية التأثير السياسي في تحديد اتجاهات الحكم فيه. ولهذا فهو لا يريد شريكاً مضارباً.
وعلى هذا الأساس، فإن الذين بدأوا ويستشعرون خطراً من النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، وانعكاس هذا النفوذ على أمن الخليج العربي، لم يخفوا هذا القلق، فكان مدخلهم للتعاطي مع الوضع السياسي العراقي تعاطيهم الإيجابي مع الكتل السياسية غير المحتواة من إيران، وهذا ما أدى إلى "مكابشة" سياسية حادة أعقبت الانتخابات، وأفرزت أزمة تشكيل حكومة استمرت لأكثر من ثمانية أشهر، وهي اليوم تعيد إنتاج نفسها عبر مشروع سحب الثقة من المالكي.
هذه الأزمة في تجلياتها الأخيرة، ما هي إلا انعكاس لحجم التأثيرات السياسية المتقابلة، فإن نجح المالكي في تجاوز موضوع سحب الثقة، فهذا لا يعني انه الأقوى في معادلة الوضع الداخلي، بل يكون التأثير الإيراني ما يزال محافظاً على أرجحية نفوذه. وأن لم يستطع المالكي تجاوز سحب الثقة، فهذا يعني تراجع النفوذ الإيراني.
إن الأزمة في العراق مفتوحة على توازنات القوى الداخلية الإقليمية والمحيطة بالعراق والمفتوحة على عناصر التأثير الدولي.
العنوان الثالث: هو المسارعة الإيرانية في هذه المرحلة التي تتسم بالمعطى الانتقالي، لأحكام سيطرتها على المفاصل الأمنية والعسكرية في المؤسسات العراقية. وأن المالكي الذي سبق واتفق مع كتل عراقية على إعادة توزيع مواقع السلطة للحد من الاستفراد بها، لم يلتزم بما اتفق عليه عقب أزمة تشكيل الحكومة.وهو إذ يستمر في النهج، فلأن النظام الإيراني، يريد من الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية أن تكون مفتوحة أمام تدخلاته، وبحيث تصبح هذه الأجهزة بمثابة العين "العراقية" الساهرة على حماية المصالح الإيرانية ومراقبة كل دقائق الأمور.
أما العنوان الرابع: فهو أن النظام الإيراني، وفي إطار نظام العقوبات المفروض عليه، يريد أن يبقى العراق ليس مسرحاً لنفوذه السياسي والأمني وحسب، بل أيضاً متنفساً اقتصادياً للحد من الاختناقات التي ينوء تحت عبئها الوضع الاقتصادي الإيراني وما عملية ضخ وسرقة النفط العراقي من المناطق الحدودية إلا دليل حسي على ذلك.
إن هذه العناوين الأربعة الأساسية، باتت تشكل البرنامج العملي للمشروع الإيراني حيال العراق، وهذه لم تعد خافية على أحد، وأنه كلما اشتدت اندفاعه هذا المشروع في مدياته التنفيذية، كلما كانت أولى تجلياته ما يتعرض له حزب البعث انطلاقاً من ترابيته العناوين الأربعة.
وحتى لا يجري التوقف كثيراً عند عملية سحب الثقة من المالكي، أو عدمها، فإن ما يجري التوقف عنده وتسليط الضوء عليه، هو موقع المالكي في آليات المشروع الإيراني والذي ما يزال حتى الآن خياراً إيرانياً أول، كونه استطاع حتى الآن أن ينجح في الاختبارات سواء لجهة الموقف من البعث أو الموقف من دور عربي منافس لدور إيراني، أو في فتح الأجهزة العراقية على النفوذ الإيراني، أو في جعل العراق متنفساً للاقتصاد الإيراني المختنق.
أن الأصيل في هذا المشروع هذا النظام الإيراني والوكيل هو حالياً المالكي إلى أن يسقط في الاختبارات، أو إلى أن تتعرض الأظافر الإيرانية التي تضرب مخالها في الداخل العراقي للاستئصال.
إن المرحلة الجديدة بكل معطياتها الحالية في العراق، عنوانها مواجهة هذه الاندفاعة الإيرانية، وأن القاعدة الارتكازية لمواجهة المشروع الإيراني الخطر على وحدة العراق وعروبته هو المشروع الوطني المفتوح على أفاقه القومية والذي أثبت نجاعته في فترة النضال الإيجابي يوم أقام البعث سلطته الوطنية، كما اختبرت نجاعته في التصدي للعدوان ومقاومه الاحتلال وتحرير العراق بعد مقاومة استمرت لتسع سنوات.
إن الحريص على وحدة العراق وعروبته، والحريص على منع النظام الإيراني من احتواء العراق والسيطرة عليه وإدارة شؤونه عبر أدوات محلية، عليه أن يتقاطع مع المشروع الوطني العابر للطوائف والمذاهب والمناطق لأن فيه تتجسد الضمانة الوطنية، ومعه يعود العراق ليلعب دوره كحام للأمن القومي العربي على بوابة الوطن العربي الشرقية. وان الشهداء الذين سقطوا في ميدان المواجهة والذين يسقطون في عمليات الإعدام والتصفية والاغتيال، هم شهداء مشروع إعادة العراق واحداً موحداً عربياً ديموقراطياً، ولكل قضية ثمن وقضية العراق الوطنية تستحق هذه الأثمان وأخرها استشهاد المناضل عبد الحمود.
13/6/2012