هاني الفردان
عبارة سمعناها كثيراً في الفترة الماضية، فقد كان كل ما يجري في البلد عبارة عن «أوامر من فوق».
ضاع القانون، أو وضع في الخزانة وأعلى الرف أو في الثلاجة، واستبدل بعبارة «أوامر من فوق».
تفصل من وظيفتك، والحجة «أوامر من فوق»، يوقف راتبك والذريعة «أوامر من فوق»، يخصم من أجرك والسبب «أوامر من فوق»، توقف عن العمل بقرار و «أوامر من فوق»، تغير وظيفتك بطلب و «أوامر من فوق».
هناك من أجبروا على التنازل عن حقوقهم بتوصية من «فوق»، وهناك من فرضت عليه تسوية غير قانونية ولا منصفة ولا عادلة لأنها من «فوق».
والغريب أنك تعاد إلى عملك بـ «أوامر من فوق»، يصرف لك راتبك من جديد بـ «أوامر من فوق»، وقد تعاد إلى وظيفتك السابقة بـ «أوامر من فوق».
ربما تعتقل، ويفرج عنك لاحقاً بـ «أوامر من فوق»، قد توظف بـ «أوامر من فوق» وتمنع من التوظيف في أي مكان أيضاً بـ «أوامر من فوق»
والجميع يسأل من أين تأتي هذه الأوامر، ومن هم الجالسون «فوق»؟
سؤال محير جداً، فلا أحد يعرف من هم هؤلاء الذين يتحكمون في البلد ويديرونها بطريقتهم وبقانونهم وهم «فوق»، ولماذا لا نراهم معنا «تحت» لكي نعرفهم ونفهم طريقتهم ومقاييسهم في إصدار الأوامر والقرارات الادارية.
«أوامر من فوق» عبارة ليست متداولة فقط في الجهات الرسمية وشبه الرسمية، بل غزت حتى الشركات الخاصة، فقد أصبحت ماركة بحرينية بالدرجة الأولى، ووسيلة لمن يريد أن يفرض أمراً ما ولا يجد له مسوغا وشرعية قانونية، فيلجأ إلى المهرب الوحيد في مثل هذه الأمور «أوامر من فوق» في ظل غياب القانون، أو ضعف من يستطيع تطبيقه.
هي «أوامر من فوق» ومن لا يعجبه، عليه أن يضرب رأسه في الحيط، أو أن يشكو منفذها، إن وجد من يسمع له، ولغياب تطبيق القانون يصبح مفهوم «أوامر من فوق» هو الحاكم الفعلي.
«الأوامر من فوق» لا تعني دائما أن من قالها وفرضها يحمل أجندات خاصة به، إذ قد تكون فعلاً هي «أوامر من فوق» ولكنها بالتأكيد ليست بالضرورة أن تكون من «فوق» فعلاً، قد تكون من متنفذين قريبين جداً، أو من قريب لقريب مسئول رفيع.
مفهوم «أوامر من فوق» أصبح جزءا من ثقافة نعيشها يومياً في البلد، وهو جزء مقلق جداً، ومخيف، إذ ان القانون يقف عاجزاً أمامها، مرتبكاً وخائفاً منها، مع بروز وسطوة المتصيدين في الماء العكر، والصائدين للغنائم.
«الأوامر من فوق» همش مفهوم سيادة القانون والدولة، ليس فقط في القضايا السياسية وإنما أيضا في المسائل الاقتصادية والاجتماعية حتى طال الرياضية منها، ولاشك أن هذا المفهوم سيكون عقبة حقيقية أمام أي عملية إصلاح في ظل وجود مستنفعين من مثل هذه الأمور.