منصور الجمري
فكرتان متضادتان تتحركان لحل الأزمة السياسية في البحرين. الفكرة الأولى تسعى لفرض الأمر الواقع وتكريس كل الإجراءات، بل واتخاذ قرارات جديدة لتثبيت وتعميق الممارسات التي اتُّبعت منذ منتصف مارس/ آذار 2011. وهذا يعني الاستمرار في سياسة «تصفير» أو «إضعاف» وجود الفئات والجماعات غير المرغوب فيها من كل مكان. ولذا، فمن الواجب الاستعجال في خلق نقابات بديلة هنا وهناك وذلك لاستبدال النقابيين الذين دافعوا عن المفصولين من أعمالهم، بنقابيين آخرين يؤيدون استهداف الفئات غير المرغوب فيها. كما ينبغي إزاحة غير المرغوب فيهم من كل موقع، ونشهد حاليّاً ما يحدث في منطقة الكسارات بجنوب البلاد، والتي تضم شركات تنفذ مشروعات بنية تحتية وإسكانية وجسور وغيرها في مختلف مناطق البحرين… وقد تم إمهال الشركات المملوكة لشريحة من القطاع الخاص (ربما غير مرغوب وجودها في تلك المنطقة) شهراً واحداً للخروج من جنوب البلاد. ويمكن إضافة أمثلة كثيرة جدّاً، سواء في التعيينات المتتالية والتي تحمل صبغة واحدة، والبعثات الدراسية (منها منع ثلاث طالبات من إكمال دراسة الطب) والمشروعات الإسكانية والخدمات، وتسجيل قضايا في المحاكم ضد جمعيات سياسية ونشطاء في المجتمع، وهذه كلها توضح الاستعجال في اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة (تحت ضوء الشمس) من أجل فرض الأمر الواقع.
نستطيع أيضاً إضافة أمور أخرى تسير مع هذه الفكرة، مثل تمييع تنفيذ توصيات بسيوني، بما في ذلك طريقة التعامل مع مئات المعتقلين ومحاكماتهم (وشهدنا أمس فصلاً مأساوياً آخر من محاكمة مجموعة الـ 21)، وجميعها تؤشر إلى تأخير الحل المنصوح به. ويمكن أيضاً أن ننظر إلى طريقة التعامل مع الشكاوى المقدمة من مواطنين تعرضوا لانتهاكات، ونقارن كيف تسير الأمور بشكل غير متوازن (عند مقارنتها بالطريقة التي تسير عليها الأمور في الاتجاه المعاكس)، إذ إنها لا تتسم بالحسم أو الجدية المطلوبة.
الفكرة الثانية ترى أن المخرج للأزمة يكمن في الحل السياسي الحقيقي والمصالحة الوطنية الجادة (بحسب المعايير المعتمدة عالميّاً)، وأنه لا يمكن الاستمرار على الوضع الحالي مهما كانت الأعذار. غير أن الجهود في هذا المسار تسير حاليّاً ببطء شديد، وبصورة غير واضحة، ومشوشة ومرتبكة… وخلال الأشهر الأربعة الماضية رأينا كيف تقدمت هذه الجهود خطوة وتراجعت خطوات إلى الوراء، ثم عادت هذه الجهود مؤخراً لاستدراك الأمر، ولكنها بطيئة جدّاً بسبب المسار الضاغط نحو فرض الأمر الواقع.
ما نحتاج أن نعيه هو أن التاريخ له سننه المستمدة من العدل الإلهي والفطرة الإنسانية، وهذه السنن التاريخية تنتصر للجانب الصحيح من المعادلة، ومن يحاول فرض أمر واقع لا صلة له بالعدل والحقوق فإنه يسير على الجانب الخاطئ من التاريخ.