ربما لم يكن يعرفه كثيرون قبل أن يدخل عالم تويتر، وربما صار المتابعون من طيفي (المعارضة والموالاة) يعدونه الشخصية الأكثر جدلا. هو عقيد ركن بحري متقاعد من البحرية الملكية، ينتمي فكريا إلى المدرسة السلفية، وسياسيا يرى نموذج جمعية العمل الوطني الديمقراطي العلمانية هو الأفضل!
كان محمد الزياني في الصف الأول من حضور المؤتمر العام لجمعية الوفاق في مارس/آذار الماضي، وكان من بين المتكلمين في إحدى الفعاليات الداعية إلى الوحدة الوطنية والتي نظمتها جمعية الجمري الخيرية. منذ حوالي العام ومن على حسابه في تويتر، دخل الزياني في نقاشات عميقة ومثيرة للجدل مع الكثيرين من كل ألوان الطيف، وحضر بشكل نادر ومغاير عن جماعته التي يعتز بالانتماء إليها.
عاش الزياني تجربة الدوار بشكل مكثف جدا، وكان يحضر بشكل يومي ويؤدي صلاتي المغرب والعشاء في جامع السوق المركزي هناك. حضر العديد من الندوات والفعاليات وكان متابعا قويا لكل ما يدور، في ظل قبول واسع له من الجميع.
لدى الزياني علاقات وطيدة بشخصيات سياسية لطالما اجتمع معها والتقى بها، أمثال على ربيعة وحسن مشيمع، وعبد الوهاب حسين وجاسم مراد وإبراهيم شريف والمرحوم عيسى الجودر وغيرهم.
يزور الزياني الكثير من المجالس الشيعية في عراد والمحرق وبني جمرة، يتحدث للجميع وينتقد الجميع. حضرت مرآة البحرين العديد من المجالس التي تحدث فيها الزياني ودخل فيها في نقاشات طويلة ومثرية معبرا عن رأيه الشخصي وقناعاته. جمعت مرآة البحرين ما دوّنته من هذه النقاشات في ثلاث حلقات، لتقرّب القارئ من هذه الشخصية المختلفة!
انغلاق المجتمع: السبب هو القرية الطائفية
في إحدى اللقاءات المفتوحة، دار فيها حديث حر وصريح، عبّر الزياني عن تصوره بأنه لا توجد أية مشكلة بين السنة والشيعة مجتمعيا. وفي توضيحه للخلل، قال إن أهل القرى لديهم حساسية من الطيف الآخر، حيث أن انغلاقهم داخل القرية جعلهم يظنون أن مجتمعهم مجتمع فردي أو طائفي، فيتعاملون مع الآخر بشيء من التوجس. "هذا ما وجدناه في الأزمة، الأكثر تشددا هم الذين في القرى، حتى من السنة، في قرية الجسرة مثلا، أهل القرى كانوا يريدون فرض آرائهم علينا نحن في مناطقنا أيضا"
يقول الزياني إنه دخل قريتي المقشع والدراز عن طريق الخطأ في أحد الأيام قبل فترة بسيطة، وأن الكل هناك كان مستغربا منه "لأن لحيته سلفية" معبرا عن تعجبه من ذلك. في ذات السياق، يروي حكاية أخرى وهي أنه كان مرة في عزاء لعائلة العصفور في الشاخورة، وأن الشباب كانوا يناقشونه عن سبب إطلاق لحيته ويقولون له "محمد أنت ليش مخلي لحيتك للأرض" وحين سمع عميد العائلة الجدال بينهم قال لهم: ما بالكم على الرجل، التفتوا لمشايخنا فكلهم مثله، الخميني، فضل الله وغيرهم، هذا هو الأصل، حتى في تقصير الثوب . يختم حديثه بنكتة "سني يسأل شيعيا: أنت في السجود تغمض عينيك أم تفتحهما؟ فيرد عليه الآخر: لماذا؟ فيقول: حتى أخالفك!"
"لكن لو نظرنا للمحرق، وأنا من المحرق، هناك جار شيعي بين كل 5 بيوت للسنة، والعكس. أنا واثق كل الثقة أن كل الحواجز بين المذاهب أذيبت في المحرق، وأرى أن الحياة مع الآخر ضرورة سواء كان شيعيا أو رجلا ينتمي لدين أخر كفري مثل عبدة الأصنام أو غيرهم، هم موجودون في البحرين، وأنا أتعامل معهم بكامل الأريحية ولا مانع عندي حتى من أن يعمل أحدهم في بيتي"
يتحدث الزياني عن بعض النساء الشيعة، كن على صداقة وعلاقة وثيقة بوالدته، ويقول إن أخاه قد أرضعته امرأة شيعية وإنه لديه أخوات شيعة يزورهن ويتكشف عليهم لأنهن أخواته من الرضاعة.
يرى الزياني أن ما قد يمنع الاندماج الكامل بين السنة والشيعة هو منع التزاوج بينهما، لكنه يرى أن هناك زيجات مختلطة رغم ذلك، إلا أنها قليلة بسبب الاختلاف على المذهب الديني الذي سيتربى عليه الأبناء، مؤكدا أن زواج السنة من الشيعة على مستوى البلد موجود حتى في العائلة الحاكمة، وأنه يعرف من أفراد الأسرة من جدته شيعية أو له إخوة من زوجة أب شيعية بما فيهم بعض الوزراء.
المشكلة بين السنة والشيعة: الدوار ونقاط التفتيش
لا يخفي الزياني اعتقاده بأن الحكومة ساهمت في المشكلة الأخيرة بين السنة والشيعة بشكل أو بآخر "لو نظرت تصاعد الموقف في البحرين عندما حدثت الأزمة في الدوار، فستجد أن الحكومة تساهلت في الموضوع الأمني، وتركت أناسا يروجون إلى أنه ستكون هناك هجمة شيعية على أهل السنة أو العكس، لكي تنتشر الإشاعة وتصير من المسلمات، أما المواطن فقد كان قلبه ينبضُ خوفا وهو يتساءل متى سيأتي هؤلاء؟ متى ستكون هناك هجمة؟"
يرى الزياني أن غياب رجال الأمن ورواج هذه الشائعات كان السبب في أن يقوم الناس بعمل حواجز أمنية ونقاط تفتيش أهلية بأنفسهم، ويعتبر هذه الخطوة ساهمت بشكل كبير في الفرقة بين الطائفتين، ويقول إن تسلم المواطنين لهذه الحواجز التي يتفاخر الشباب فيها بأنهم حموا مناطقهم، هو ما سعّر القلوب "كنا نرى سيارة الإسعاف تدخل لتأخذ مريض فيهزئون المسعف أو السائق الشيعي، وكذلك سيارة كهرباء تدخل لتصلح خللا ما في بيت أحد المواطنين فيوقفونها ويفتشونها رغم أنها سيارة الدولة، وهم كلهم مجرد شباب صغار لا تزيد أعمارهم عن 15 سنة"
ما حدث في دوار اللؤلؤة قد يكون له وجه نافع في هذا الشأن رغم كل شيء، فالمتعصب السني بحسب الزياني يقول اليوم إن الشيعي انكشف أمامه، والشيعي يقول الأمر ذاته. "كل واحد منهم عرف نقاط الضعف والقوة عند الثاني، ولذلك فبغض النظر عن المذهب، سيأتي اليوم الذي سيحترم فيه السني الشيعي رغماً عنه وكذلك الشيعي سيحترم السني رغماً عنه. الآن نقاط التماس واضحة بين السنة والشيعة"
يرى الزياني أن هناك خطأ وقع من الجانبين وأدى إلى هذا الاحتقان الطائفي، لكنه يقول إنه لم ينفصل أبدا عن زملائه الشيعة كما أنه لم ينخلع عن أهله السنة "أغلب ما يقع على الشيعة من ظلم أنا أقف ضده مائة بالمائة، بعيداً عن كوني حكومي أو سني .. الأهم أن لا يقتل أي مواطن ولا تنتهك حرماته ولا يمس ماله"
كان من الذكاء أن نترك الشيعة يتحركون
"السني في البحرين وفي العالم عليه ضغوط، ربما لا يعلم بها الشيعي. نقطة طاعة ولي الأمر لدينا فرض مثل ما أن لدى الشيعة نظرية تقليد المرجع الديني"
على هذا التأسيس يرى الزياني أنه كان من الذكاء أن يستغل السني تلك الفرصة "نحن لم نكن نجرأ أن نقول أخطاء الحكومة أو ننقدها، ولكن أخانا الشيعي خرج من أجل إصلاح هذا الخطأ وكان من العقل أن ننتظر إلى أن تتجاوب معه الدولة وتصلح، المفروض أننا كمواطنين نستغل قوة كل واحد منا، كانت نظرتي أننا لو أمهلنا الدوار ليخرج ما يستطيع إخراجه من هذه الحكومة، لكان هناك تصحيح"
كان الزياني يدعو إلى أن يتريث الشارع الآخر حتى يتم رفع الأضرار عن المجتمع العام "الكل يقول إن الحكومة أخطأت، جلالة الملك يتسلم تقريرا كل سنة فيه ملف عرضه 10 بوصات يتحدث عن الفساد! كان المفروض على الملك أن يصلح الحكومة ويعاقب الوزراء والمعنيين لكنه ترك ذلك لرئيس الوزراء فكان لزاما على رئيس الوزراء القيام بذلك، والآن هناك ضغط من الشارع، الشارع السني إذا أراد أن يتحرك عليه أن يرتب صفوفه وقوته أو أن يترك مجالا للآخر حتى يصلح"
من وجهة نظر الزياني فالمشكلة لدى السنة الآن أكبر من موضوع "ولي الأمر"، القضية أكبر ويجب أن يكون هناك تصور آخر. طاعة ولي الأمر تنحصر عند السنة وهي غير ذلك عند الشيعة، كما يقول، ولم يعد هناك مكان للسكوت حتى لو اضطر المجتمع أن يتحرك ليجبر الحاكم على تغيير الحكومة، السكوت لا مكان له في المجتمع الآن.
"معارضة المعارضة (المعارضة السنية) عليها ضغوط، وبعد أن كان جمهورها 450 ألف هم الآن 10 آلاف فأين ذهب الباقون؟ لقد تفسخوا من التجمع نتيجة أداء جمعية التجمع السيئ بالطبع"
لماذا فشلت الوفاق في كسب السنة؟
حول دور جمعية الوفاق الوطني التي تأسست عام 2001 يقول الزياني "أتذكر أنني كنت عند الأستاذ حسن مشيمع في مجلسه ذات مرة، وقلت إن الوفاق في بداياتها دخلت على مجتمع لين رطب وكانت بسهولة تستطيع أن تكيف وتشكل هذا الشارع مثلما تريد، لكنها وبغرور منها تفادت أن تخدم طبقة كبيرة من المواطنين السنة، ثم فقدت هذه الليونة، وصار من الصعب كسبهم الآن"
ويضيف "لما دخلت الوفاق كانت هناك مشاكل بين الحكومة والجمعيات، ولو أنها عملت مع المجتمع وتفاعلت معه من أقصاه إلى أقصاه على أنه مجتمع بحريني ليس سنيا ولا شيعيا ولا وفاقيا حتى، لكسبت كل المواطنين من سنة و شيعة"
يرى الزياني أن المواطنين السنة يشعرون بالنقص لأنه لا أحد يعمل لهم ولا يستطيعون أن يتكلموا مع ولي أمرهم، أما نوابهم فقد اشتريت ذمم كثير منهم أو فرضوا من قبل الحكومة "كان الشارع شاغراً والوفاق لم تستغل هذه النقطة، لو تحركت الوفاق على مشكلة للمواطنين السنة في المحرق، أو في قلالي لقال هؤلاء: هم شيعة لكنهم يعملون من أجلي"
الجمعيات السنية سقطت والتيار السلفي ليس المشكلة
أما الجمعيات السياسية الإسلامية السنية وتحديدا المنبر والأصالة، فيرى الزياني أنها خسرت الكثير، ورغم أن فيهم أعضاء جيدين فإن فيهم الفاسد وفيهم الضعيف، وقد غلب على الأكثر أنهم ليسوا صالحين بحسبه.
"الشارع السني السلفي خسر الكثير بسبب هذه الجمعيات، سقطت كثير من قياداته مع السياسة، رموزه خونتهم السياسة ربما بسب خوفهم من الدولة. لقد فقدوا الشارع، وعبد اللطيف المحمود لا يستطيع أن يقود شارعا سنيا، كانت جمعيته السابقة (الجمعية الإسلامية) تضم 10 أشخاص وهؤلاء العشرة ربما 2 منهم فقط ملتزمون على خطه الديني والباقي يعملون لأهداف سياسية"
لكنه يرى أن هناك تجنيا على التيار السلفي "دعوني أذكّر بكلمة قالها أعضاء الوفاق سابقا، وهي أن أكبر مشكلة أمامهم هم هؤلاء السلف، لكنهم بعد أن تعاملوا معهم عرفوا قصدهم وهو الصالح العام، ثم صارت الوفاق الشيعية تقول إن أقرب الناس لها هم السلف، هؤلاء السلف "الوهابية" المتهمون بقتل الشيعة وبالانتماء إلى القاعدة!"
الحل في "الخيار الوطني" ولا مكان للعمائم
في سياق الحديث عن الممارسة البرلمانية، ينتقد الزياني الطريقة التي تعامل فيها المجتمع مع الانتخابات متأثرا بالجماعات السياسية "إذا كانت جمعية مثل الوفاق أو الأصالة استطاعت الوصول إلى مقاعد البرلمان عن طريق "جمعيتها" فلأنها اشترت أصوات الشعب، تماما مثلما تفعل الحكومة.
الوفاق اشترت أصوات الجماهير الشيعية، وأتذكر هنا القصة التي قالها الدكتور منصور الجمري في صحيفة الوسط، عن شخص دخل بعكازه قاعة التصويت فرفع العصا وأشار لنائب يترشح للمرة الثانية قائلاً له "أنت ما سويت لنا شي لكن بعد برشحك لأن الشيخ قال اختاروه"
إذا أشرت بعصاي على نائب فاسد مثلاً وقلت إن الحكومة أو المشرّع قال انتخبوه، سيصبح التحرك حزبي ديني لا أكثر، وهذه قلة وعي منا. الحل هو أن الشيعي قبل السني لا يختار نوابه على أساس طائفي بل يختار على أساس حقوقي، أليس هذا الاختيار باستطاعته جلب حقي؟
على سبيل المثال في منطقتي مرشح سني، لماذا أنا كتنظيم وفاقي لا أسحب مرشحي لصالح مرشح أكفأ منه مع الأخذ بموافقته المبدئية على العمل مع الوفاق لخدمة الصالح العام تحت قبة البرلمان؟"
يرى الزياني أن العمائم في المجلس النيابي السابق لم يفعلوا شيئا، وفي المقابل يصف قيادات المعارضة الجدد وخصوصا من النواب "الأفندية" بأنهم سياسيون أثبتوا جدارتهم، وخامة قيادية لديها القدرة والكفاءة، ضاربا بالسيد هادي الموسوي ومطر مطر وعلي الأسود أمثلة على ذلك.
"إذا أردنا أن تلتحم الأمة (شعب البحرين) فيجب علينا كمجموعة أن نذهب لإخواننا لنعمل قاعدة: لا يهمنا الوفاق ماذا تريد أو ماذا يريد الشيخ عيسى قاسم أو الشيخ عبد اللطيف المحمود، نحن نحتاج لمشرع قانوني لا ديني.
المأخذ على الحركات السياسة هي قواعدها، جماهيرها. فلماذا لا أنخرط في هذه الجمعيات وأؤثر عليها؟ المأخذ على الشارع السني تحديدا أنه لا ينخرط في الجمعيات السياسية.
على سبيل المثال، أنا أرى جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) ورغم معارضتيnالدينية الكبيرة لها، هي الأفضل من بين الجمعيات، أما الجمعيات السياسية الدينية فيتوجب عليها أن تخلع العمائم"
مستقبل العلاقة بين الطائفتين
يشير الزياني إلى أن هناك من يصور ما يحدث بأنه حرب بين السنة والشيعة وهذا ليس صحيحا حسبما يرى "فما أن تنتهي الحكومة من الشيعة، سترجع العلاقات بين السنة والشيعة مثلما كانت ولن يتأخر قادة السنة في تنفيذ الأمر، ما يحدث اليوم هو شيء من الهلع اللحظي"
ويقول "لو عدنا لتاريخ الشيعة لوجدناهم في الأساس متكتلين مع بعضهم البعض للظروف التاريخية التي مروا بها، والسنة بدأت تظهر عندهم ثقافة التكتل والعمل مع بعض، ومن الممكن أن تبقى هذه الثقافة، الشيعي لديه ثقافة الولاية والسني بدأ يعي ذلك" ليس في هذا أية مشكلة إلا أن ما يضايق الزياني أن يصل الأمر إلى أن يقول السني إنه لن يشتري من الشيعي وبالعكس! "أحد المواطنين الشيعة كسرت نافذة سيارته في عراد، ودفع ثمنا أكثر لزجاج صيني لكي لا يشتري الزجاج السعودي رغم أن السعودي أجود !!!!!"
"أنا عملت مع الشيعة وآخر مساعد لي في العمل كان شيعيا، وحتى في القيادة العامة لقوة الدفاع هناك شيعة يتولون مراكز كبيرة ومهمة وحساسة، لكن في الجيش تعطى الثقة للعوائل المعروف ولاؤها وفيهم شيعة، هي ليست طائفية بل ولائية، وهذا عرف في جميع الدول العربية والغربية"
لا يمانع الزياني أن يكون هناك تخطيط وتكاتف "أنا لا يضرني تكاتف الشيعة مع بعضهم البعض إذا لم يعملوا على تدمير الآخر ولعلي أرتاح للشيعي أكثر من غيره في بعض الأمور مثل التعليم والتجارة والجوار".
مجلة الجزيرة العربية » البحرين