عمر نجيب
إندلعت الحرب الأهلية الإسبانية خلال شهر يوليو 1936 بسبب نزاع سياسي داخلي بين معسكرين وصف أحدهما بالجمهوريين والأخر بالقوميين، كل طرف إعتبر نفسه ممثلا للشرعية ولإرادة الشعب الإسباني.
بعيدا عن الخوض في إشكاليات هذه الحرب التي خلفت أكثر من نصف مليون قتيل من الإسبان وعشرات الألاف من المغاربة الذين فرض عليهم الاستعمار القتال فيها، استمرت هذه الحرب الضروس حتى الأول من شهر أبريل 1939 حيث حسمت لصالح معسكر القوميين بزعامة الجنرال فرانشيسكو فرانكو.
يقدر عدد من المؤرخين أنه لو كان الإسبان تركوا لينهوا الخلاف بوسائلهم وإمكانياتهم الخاصة لكان عدد الضحايا أقل بكثير ولما استمرت الحرب أكثر من ثلاث سنوات. التدخل الأجنبي بالمال والسلاح والرجال زاد من خطورة هذا النزاع، وإعتبره الكثيرون مقدمة أو عملية تجريبية للحرب العالمية الثانية.
اليوم مع قرب انتصاف سنة 2012 يشبه عدد من المحللين الأزمة السورية بالحرب الأهلية الإسبانية، فالنزاع الداخلي بين حكومة قائمة وحركة معارضة، تحول إلى حرب بالوكالة تداخلت فيها قوى إقليمية ودولية كثيرة، كل منها يسعى لتحقيق مكاسب معينة.
زاد من خطورة الحرب بالوكالة إمكانية تحولها إلى حرب أهلية خاصة مع كثرة ترديد مسؤولين في الأمم المتحدة وفي الإدارة الأمريكية وبلدان غربية وشرقية أخرى، تحذيرات بشأن فرضيات تحول الأزمة إلى حرب أهلية أو طائفية قد تمتد بعيدا وراء الحدود الجغرافية لسوريا.
بين الحرب الأهلية وحروب الوكالة، تلوح في الأفق من حين لآخر ومنذ إندلاع الأزمة السورية في 15 مارس 2011 إمكانيات تدخل عسكري لحلف "الناتو" تقوده الولايات المتحدة يكرر بشكل أو بآخر سيناريو الحرب على الأرض الليبية.
المشكلة أن هذا السيناريو يصطدم بعدة عقبات لعل أهمها الرفض الروسي الصيني الذي تسنده عدة دول من أمريكا اللاتينية ومن جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، وخشية بعض الأوساط من أن يفجر تدخل غربي في سوريا مواجهة مباشرة مع كا من موسكو وبكين اللتان تشعران أن واشنطن تسعى لإقامة طوق حولهما لخنقهما أو إخضاعهما لهيمنتها العالمية.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تبين بالتجربة العملية أن متابعة ومراقبة عدد من وسائل الاعلام الأكثر ارتباطا بمراكز إتخاذ القرار في الدول الموصوفة بالكبرى، وكذلك مراكز الأبحاث أو كما يصفها البعض "بخزانات العقول"، يمكن أن يقود المحللين ومراكز الرصد إلى تقديرات ذات مصداقية عالية حول توجهات سياسة هذا الطرف أو ذاك ومخططاته المستقبلية بالإضافة إلى كشف الألغاز التي قد تكون قد أحاطت بأحداث معينة مضى عليها زمن ما.
صعوبات التدخل العسكري
يوم السبت 2 يونيو 2012 كتب المعلق البريطاني نك هوبكنز في تحليل نشرته صحيفة "ذي غارديان": "اثار وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بصورة غير مؤكدة امكانية التدخل العسكري في سوريا، ولكن النصيحة من رؤساء أركان الجيش البريطاني لم تتغير وهي صارمة.
لقد حذروا بان سوريا لا يمكن مقارنتها بليبيا وان أي عمل عسكري سيؤدي بصورة لا مفر منها تقريبا إلى حرب أهلية أكثر دموية ومرارة. ويقولون انه ليست هناك خطوة أولى واضحة، كما انه ليست هناك استراتيجية خروج واضحة أيضا.
وهذا هو السبب في ان التخطيط الذي بدئ به في وزارة الدفاع يبقى ملصقا بالطاولة وليس هناك امكانية لتحقيقه قريبا.
واحجم مسؤولون من داخل الحكومة البريطانية ومقر حلف شمال الاطلسي "ناتو" في بروكسل عن الحديث عن خطط طوارئ لتدخل عسكري خشية تطور زخم غير مقصود نحو الصراع.
ويشير "ناتو" الى انه لم يتلق تعليمات سياسية لبدء "العاب حرب"، وبينما لا تحتاج وزارة الدفاع البريطانية لتلك التعليمات كي تضع سيناريوهاتها وخططها، غير أنها كلما فعلت ذلك، كلما قل اعجابها بما ترى.
وحتى مع وضع القضايا القانونية جانبا، فان الخيارات العسكرية محددة بقوة وتماسك قوات دمشق العسكرية، وضعف المعارضة وطبيعتها المجزأة، وضرورة ان تقوم دول الجامعة العربية وتركيا بحمل بعض الاعباء الثقيلة. وقال مصدر عسكري: "الأمر في سوريا معقد اكثر بكثير من ليبيا. ليس فيه اي شيء سهل".
يبلغ عديد جيش السوري وحده 300 الف جندي، وهناك احتياطي نشيط يزيد عديده عن 350 الف أخرين. ومع ان لا احد يفكر حاليا في توغل بري من أي نوع في الوقت الحاضر، فان هذا سيتطلب جهدا خارقا للمعتاد.
وقد اقترحت فكرة خلق ملاذات آمنة، ولكن يجب تأمين هذه في المقام الأول وهو ما يتطلب بصورة شبه أكيدة قوات برية، ثم الدفاع عنها من هجمات وهو ما سيتطلب بصورة شبه مؤكدة قوة جوية.
في ليبيا، قامت طائرات "ناتو" بآلاف الطلعات الجوية من دون فقدان حتى طائرة واحدة، واطلقت صواريخ على قواعد ومبان من دون رد عليها يستحق الذكر.
ولكن لدى سوريا أسلحة أكثر تقدما من تلك التي كانت عند ليبيا، كما ان لدى السوريين شبكة دفاع جوي متقدمة لدرجة معقولة حيث أنها وضعت في محاولة لتخفيض درجة التفوق التسليحي الجوي الإسرائيلي، بما فيها 4700 صاروخ ارض جو.
تقول مصادر رصد أوروبية أن "الناتو" يعمل منذ أشهر على إيجاد تقنيات حرب الكترونية كالتي سمحت له بشل كل أجهزة الدفاع الجوي الليبية سنة 2011، ولكنه كلما حقق تقدما ما في هذا المجال مع السوريين يحصد تراجعا متكررا، ويقول بعض الخبراء أن موسكو تزود دمشق بتقنيات تبطل الجهد الغربي.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمح في برلين يوم الجمعة الأول من يونيو إلى هذه المبارزة حين قال "ان موسكو لم تقدم لحكومة دمشق أسلحة يمكن أن تستخدم في الصراع الداخلي، وانها لا تدعم أي طرف. وأشارت مصادر عسكرية روسية أن الأسلحة التي يتم ارسالها إلى الجيش السوري مخصصة للدفاع الجوي وحماية الساحل المتوسطي من السفن المعادية.
ذكر تقرير لمنظمة "اوكسفام" نشر في مايو استنادا إلى معلومات من هيئات للأمم المتحدة ومؤسسات دراسات عسكرية أخرى محترمة ان الحكومة السورية اشترت ما قيمته 167 مليون دولار من أسلحة الدفاع الجوي في 2010 السنة.
وقال شاشناك جوشي، وهو اخصائي في شؤون الامن والشرق الأوسط في معهد دراسات القوات الملكية الموحدة في لندن: "القوات السورية المسلحة يقودها موالون للرئيس بشار الأسد. ويرى العسكريون السوريون على عكس ما يروجه خصوم النظام دولة قابلة للبقاء يمكنهم الدفاع عنها، وهم يرون معارضة ضعيفة. وقوات النظام السوري اقوى، وأكثر فاعلية، وافضل تدريبا وتجهيزا. وهي تقاتل من دون ان تضطر إلى استخدام ضربات جوية".
لكن جوشي قال ان الغرب يحتاج إلى البدء في تقديم خيارات مناسبة، قابلة للدوام مهما يكن من الصعب تنفيذها لان سوريا عمليا في حالة حرب أهلية.
واوضح: "إلى حد ما، يختبيء العسكريون وراء الدبلوماسيين. ان على وزارة الدفاع ان تكون حذرة لان الساسة قد يزيحون الدبلوماسيين جانبا، في مرحلة ما، وسيحتاجون إلى رؤية الخطط التي يمكنها أن تعرضها المؤسسة العسكرية".
واقر جوشي بتعقيد الوضع وقال ان ثمة حاجة لاستخدام تشكيلة خيارات، بما فيها "شبح القوة العسكرية"، لزيادة الضغط على الأسد وتشجيع التخريب ضمن النظام.
وأضاف: "هناك حاجة إلى تهديد عسكري ذي مصداقية، ويجب ان نخلق مظهر وحدة، على الأقل". وقال جوشي ان مما سيساعد الأمور اقناع الأردن وتركيا بالعمل معا.
ويمكن أن يركز إرسال مجموعة حاملة طائرات أمريكية إلى المنطقة أيضا الاذهان في الصفوف العليا في نظام الأسد ويدفعهم إلى التحول، خصوصا إذا فشلت خطط كوفي انان للسلام.
التمويه أم التضليل
بفارق عدة ساعات عن تقرير صحيفة "ذي غارديان" أدلى وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ بحوار صحفي، قدر بعض المعلقين أنه يكشف جانبا من إضطراب الرؤيا فيما يخص التدخل العسكري، في حين رأى آخرون أنه من باب التمويه والتضليل المقصود والذي سبق استخدامه قبل غزو العراق سنة 2003 ثم تدخل "الناتو" في ليبيا في 17 مارس 2011.
هيغ حرص على ما وصفته أوساط غربية بتوصيل رسالة بأن على شعوب المنطقة تحديد مصيرها من دون تدخل أجنبي، وفي ما يخص التدخل العسكري في سوريا، قال هيغ أن هذا الاحتمال غير وارد حاليا، مع الرفض الروسي والصيني، مما يعني عدم الحصول على تفويض دولي يعطي غطاء لأي تدخل عسكري. كما أنه لفت إلى أهمية التأكد من "نجاح" أي تدخل عسكري، وبدا مشككا في احتمالات النجاح في الوقت الراهن. ولفت هيغ إلى احتمال أن تطول الأزمة السورية، متوقعا أنها قد تستغرق "أشهرا أو سنوات"، بينما اعتبر أنه لا يمكن الانتظار "بلا نهاية" لنجاح خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان.
وأضاف الوزير البريطاني: "يجب أن يكون من الواضح الآن لمسؤولي النظام أنهم لن يعيدوا السيطرة على كل سوريا. لقد فقدوا أجزاء من سوريا. ولهذا يجب بدء عملية سياسية تسمح بانتقال السلطة، وذلك سيكون الأمر الأفضل للكل، بمن فيهم المؤيدون للنظام، فيجب أن يكون الأمر واضحا جدا لهم الآن. وهذه هي الرؤية التي قدمتها إلى روسيا يوم الاثنين 28 مايو خلال زيارتي إلى موسكو، فكثيرا ما وقفت روسيا مع النظام السوري، لكني قلت لهم "انظروا، الأسد لن يعيد السيطرة على الوضع، بغض النظر عما يفعله الآن"، لذلك من الضروري الضغط عليه لتطبيق خطة أنان".
"من مصلحة روسيا تجنب حرب أهلية طويلة في سوريا وتجنب انهيار الدولة السورية وانهيار الاقتصاد والمجتمع السوريين، وهي أمور في غاية الخطورة. أي تدخل في سوريا سيكون على صعيد أكبر بكثير من ليبيا، وسيكون هناك خطر أكبر من مساهمته في صراع أوسع".
التدخل الأجنبي
مصادر رصد أوروبية ذكرت أن الروس أبلغوا هيغ أن الجزء الأكبر من مسؤولية تصاعد الأزمة السورية يقع على كاهل الغرب الذي يمنع أي حل سياسي ويمول ويسلح المعارضة ويمدها بالمعلومات عن طريق أقمار التجسس والطائرات بدو طيار. كما أبلغ الكرملين لندن وواشنطن وباريس بما لديه من معلومات عن تدخل رجال المخابرات الغربية وشركات الأمن الخاصة في الصراع الدامي والذي أكدته حتى صحف بريطانية وأمريكية.
يوم الجمعة الأول من يونيو 2012 خرجت موسكو إلى العلن بإتهاماتها للغرب بتصعيد الصراع الدموي.
فقد أكدت الحكومة الروسية مساندتها لنتائج تحقيق الحكومة السورية في المذبحة التي وقعت في بلدة الحولة والذي يشير إلى أنها "عمل خطط له المتشددون جيدا" ووجه أصابع الاتهام إلى المتمردين ومؤيدين أجانب لم يتم تحديدهم وذلك بهدف تقويض جهود السلام. وقالت الخارجية الروسية إن أعمال القتل كانت نتيجة "المساعدات المالية وامدادات السلاح المتطور بصورة غير قانونية للمسلحين".
واضاف بيان الخارجية الروسية ان روسيا تنتظر نتائج تحقيق تجريه الأمم المتحدة في قتل 108 أشخاص كثير منهم من الأطفال.
وأضافت الوزارة الروسية "أظهرت المأساة التي وقعت في الحولة ما يمكن ان يسفر عنه تقديم المساعدات المالية والامدادات المهربة من الأسلحة الحديثة وتجنيد المرتزقة الأجانب ومغازلة المتطرفين المختلفين".
موسكو في معارضتها خطط التدخل العسكري تؤكد تعزز موقفها بمزيد من السند وتشير إلى أنه في الأول من شهر يونيو اتهم تكتل يضم ثمان حكومات في أمريكا اللاتينية في بيان الدول الغربية بالتخطيط للتدخل في سوريا مثلما فعلت في ليبيا عام 2011.
وصدر البيان أثناء مفاوضات بخصوص سوريا في اجتماع لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في جنيف. وأضاف البيان "نقدر خطوات الحكومة السورية في تحقيق المطالب المشروعة للمحتجين سلميا…وببرنامج الاصلاحات الذي تنفذه وكذلك استعدادها لتنفيذ خطة السلام التي قدمها الوسيط كوفي إنان".
وندد التكتل الذي أسس في سنة 2004 بمذبحة الحولة ودعا جميع أطراف الصراع في سوريا إلى وقف العنف.
حل خارج الوصاية الأمريكية
يقدر مراقبون أن هناك مخاوف خاصة في الولايات المتحدة من أن تفلت من أيدي صناع سياستها الكثير من أدوات التحكم والتأثير على مجريات الأزمة السورية، ومن ضمن أسوأ السيناريوهات بالنسبة إلى واشنطن، تمكن موسكو وبكين وبعض الأطراف الأوروبية غير المتحمسة لعملية تدخل عسكري، من التوسط بنجاح بين أهم مكونات المعارضة السورية ونظام دمشق مما يسمح بتحول سياسي تقبله الأغلبية ويحول دون نجاح مخططات الفوضى الخلاقة للمحافظين الجدد في واشنطن، وبالتالي يحفظ الجيش السوري من عملية تصفية كالتي تعرض لها الجيش العراقي بعد الغزو الأمريكي سنة 2003، وتبقى التوازنات على الساحة الشمالية لإسرائيل بدون تغيير كبير.
هذا التخوف دفع إلى صدور إشارات متفاوتة في حدتها لإمكانية تدخل عسكري، فرنسا تحدثت عن تدخل عبر قرار لمجلس الأمن، الخارجية البلجيكية دعت إلى إقامة مناطق آمنة، البعض تناول إمكانية التحرك في إطار خارج مجلس الأمن من طرف أعضائه، وجاء على لسان سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس.
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون انتقدت يوم الخميس 31 مايو معارضة الكرملين، محذرة من أن السياسة الروسية يمكن أن تساهم في اندلاع حرب أهلية. وقالت كلينتون في كوبنهاغن إن الروس "يقولون لي إنهم لا يريدون حربا أهلية، وقلت لهم باستمرار إن سياستهم ستساهم في اندلاع حرب أهلية". وحذرت من أن أعمال العنف في سوريا يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية أو أن تتحول إلى حرب بالوكالة.
وقالت "يجب أن نقنع الروس لأن المخاطر التي نواجهها فظيعة". وتلقت كلينتون أسئلة في عاصمة الدانمارك بشأن ما الذي يمكن أن يدفع الولايات المتحدة ودولا أخرى للتحرك عسكريا في سوريا، فعرضت حجج الولايات المتحدة في رفض التدخل العسكري في الوقت الحالي وذكرت إن المجتمع السوري أكثر تنوعا وبه انقسامات عرقية أكبر ولا توجد معارضة موحدة، كما أن دفاعات سوريا الجوية أقوى وقدرات جيشها تفوق كثيرا قدرات جيش القذافي. وأكدت أنه علاوة على ذلك لا يوجد تأييد دولي بسبب معارضة روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي حيث استخدمت موسكو وبكين حق النقض "الفيتو" مرتين لمنع صدور قرار ضد حكومة دمشق.
وأضافت "يقول الروس لنا دائما إنهم يريدون فعل كل ما بوسعهم لتجنب نشوب حرب أهلية لأنهم يعتقدون أن العنف سيكون كارثيا.. إنهم يشبهونه دائما بما يساوي حربا أهلية لبنانية كبيرة للغاية وهم يزعمون أنهم يوفرون تأثيرا داعما للاستقرار. أعتقد أنهم في الحقيقة يدعمون النظام في وقت ينبغي أن نعمل فيه بشأن عملية انتقال سياسي". وقالت "نحاول مواصلة الدفع بكل الوسائل لدعم كوفي أنان بصفته صوتا مستقلا لأن السوريين لن يستمعوا إلينا، ربما يستمعون إلى الروس لذا كنا نضغط عليهم".
من جهته، أكد سفير الولايات المتحدة لدى الحلف الأطلسي، إيفو دالدير، أنه "ليس هناك أي نقاش جار داخل حلف شمال الأطلسي للتدخل عسكريا في سوريا لأن الظروف لم تتوفر". وأضاف إيفو دالدير خلال نقاش على الإنترنت "لم نجر أي نقاش وليس هناك أي استعدادات جارية داخل حلف شمال الأطلسي لأي تدخل عسكري محتمل في سوريا".
غير أن ملاحظين يشيرون إلى أنه خلال شهر مايو 2012 أعلنت مصادر في واشنطن أن خطط التدخل العسكري الأمريكي في سوريا اكتملت. وكانت وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" قد نقلت في 8 مارس من نفس السنة عن الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية لمجلس الشيوخ تأكيده إن وزارة الدفاع تعد خيارات عسكرية ضد سوريا بناء على طلب الرئيس باراك أوباما.
وكان ديمبسي يتحدث أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ على خلفية دعوات من جانب أعضاء في مجلس الشيوخ بأن يتدخل الجيش الأمريكي في سوريا.
وزارة الخارجية الفرنسية ردت أو صححت تصريحات رايس بأن فرنسا ترغب في بحث كل الخيارات لحل الأزمة السورية لكن في إطار مجلس الأمن الدولي، وأن خطة السلام التي طرحها المبعوث الدولي كوفي أنان تمثل الفرصة الأخيرة. وذكرت الوزارة في إفادة صحافية يومية "فرنسا تدعم خطة مبعوث الأمم المتحدة الخاص والجامعة العربية من دون أن تستبعد أي خيار لإنهاء الأزمة في إطار مجلس الأمن".
تنسيق المواقف
ترى مصادر دبلوماسية أوروبية أن الغربيين "بحاجة ماسة لتنسيق المواقف والتحدث بلغة واحدة". ومن مظاهر الاختلاف بينهم أن بلدان الاتحاد الأوروبي لم تستطع التوصل إلى قرار موحد بشأن طرد السفراء والدبلوماسيين السوريين من عواصمها "بسبب المصالح المتضاربة" وفق ما قاله مصدر فرنسي. كذلك يتبين التخبط الغربي في الحكم على ما تقوم به روسيا. فبينما اتهمتها وزيرة الخارجية الأمريكية بـ"تأجيج الحرب الأهلية" بسبب مواقفها، فإن المستشارة ميركل أشادت يوم الخميس 31 مايو بالخط الذي تنتهجه موسكو. وقالت ميركل في مؤتمر صحفي إنها "تريد الإشارة إلى أن روسيا تعاونت بشكل بناء في ما خص الأزمة السورية في مجلس الأمن الدولي".
وتستبعد المصادر الأوروبية حصول عملية عسكرية ضد القوات السورية بأي شكل من الأشكال "في الزمن المنظور" وعلى الأقل قبل الانتخابات الأمريكية الرئاسية في شهر نوفمبر 2012 "رغم الاستخدام السياسي الداخلي للأزمة" لشن هجوم على الرئيس أوباما واتهامه بـ"الضعف" في الرد على تحديات الأسد.
التهديد بحرب واسعة
يقول ملاحظون أن أحد المشكلات التي تواجه من يريدون التدخل عسكريا ويقدرون أن روسيا ستعجز عن المواجهة هي احتمال تنفيذ دمشق وأنصارها في لبنان تهديداتهم بإشعال حرب واسعة في المنطقة ردا على تدخل "الناتو".
السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة لمحت إلى هذا الأمر وقالت "إن العنف سيتصاعد والصراع ينتشر ويشتد، وتتورط فيه بلدان في المنطقة، ويتخذ أشكالا طائفية على نحو متزايد ويصبح لدينا أزمة كبيرة لا في سوريا وحدها وإنما في المنطقة كلها".
خلال شهر أكتوبر 2011 وحسب تقارير نشرتها صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية فإن القيادة السورية ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، قررت فيما يشبه العمل الانتحاري الرد على سقوط أول قذيفة "للناتو" على دمشق بوابل من الصواريخ السورية على تل ابيب وأهم المناطق الأخرى في إسرائيل.
وذكرت الصحيفة أن حزب الله اللبناني هو الأخر لن يتردد في مشاركة منظومات الصواريخ السورية في قصف إسرائيل لأنه بدوره يدرك أنه بعد إنهيار النظام السوري سيأتي دور تصفيته.
وألمحت معطيات الصحيفة العبرية إلى أن الأسد نقل رسالة بهذا المعنى لوزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو، الذي نقل لدمشق إنذارات أمريكية، تحذر من احتمالات تعرض سوريا لهجوم عسكري من قبل "الناتو"، إذا واصل الأسد إصراره على البقاء في الحكم، وبحسب الصحيفة الإسرائيلية ابلغ الأسد الوزير التركي بأنه سيدعو حزب الله هو الأخر وربما حماس في قطاع غزة إلى تصويب صواريخهما باتجاه مدينة تل أبيب حال تعرض سوريا لعمل مسلح.
تجسس على خمس دول عربية
محاولة تحييد فعالية نظام الدفاع الجوي السوري شاركت فيها إسرائيل بشكل عبر الفيروس المعروف بإسم "اللهب" أو سارق المعلومات. المسجل هنا أن نفس الفيروس استخدم ضد الفلسطينيين وخمسة دول عربية سعيا وراء أخذ معلومات عسكرية بالغة الأهمية.
الإعلان عن اكتشاف الفيروس جاء من جانب مؤسسة أمن رقمية مقرها في روسيا وهي مختبرات كاسبرسكي. وافاد خبراء المؤسسة يوم الاثنين 28 مايو أن الفيروس استخدم في السودان وسوريا ولبنان والسعودية ومصر ولكنهم لم يكشفوا عن مدى نجاحه.
صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية نشرت يوم الاربعاء 30 مايو تقريرا من مراسليها دونالد ماكنتاير وجيروم تيلور عن العملية.
وذكر التقرير أن موشيه يعالون، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي وزير الشؤون الاستراتيجية أبلغ إذاعة الجيش الإسرائيلي: "إسرائيل محظوظة لأنها دولة غنية بالتقنية العالية. هذه الأدوات التي نفتخر بأنها تفتح أمامنا كل الفرص".
وتقول الدعاية الإسرائيلية أن صناعة الأمن الافتراضي في العالم صدمت وتأثرت في وقت واحد بسبب تعقيد فيروس "اللهب" "فليم" ومدى تخصصه في سرقة أكبر كمية ممكنة من المعلومات الاستخبارية من شبكات الكمبيوتر. وأخبر ريك فيرغسون، مدير البحث الامني في مؤسسة "ترند ميكرو"، صحيفة "ذي اندبندنت" أن "هذا الفيروس قطعة مشهود لها بأنها قابلة لاستيعاب الكثير وإحداث الضرر. وهي دليل آخر على أن دولا معينة أو منظمات تستخدم الفيروسات الضارة لشن هجمات بالغة التأثير لا يمكن تطويرها إلا من خلال تخطيط وموارد كبيرة".
وهناك اختلافات حول الفترة التي انقضت على وجوده. وتقول مختبرات كاسبرسكي إن الهجمات بدأت حوالي وسط العام 2010، لكن المحللين في دائرة التشفير والأنظمة الأمنية بجامعة بوخارست، التي ظلت تحلل الفيروس منذ شهر مارس، تقول إن هناك أدلة تشير إلى أن "اللهب" أو "فليم" بالانكليزية ربما ظل يخترق أنظمة الكمبيوتر منذ خمس سنوات.
يسجل أنه في الوقت الذي تحدثت فيه إسرائيل عن اختراقها الالكتروني "المعجزة"، نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوم الجمعة 25 مايو تصريحات أدلى بها لها في باريس رجل الأعمال السوري نوفل الدواليبي الذي أعلن عن تشكيل حكومة انتقالية سورية، حيث قال إن "سوريا الجديدة" ستجري مفاوضات سلام مع إسرائيل حول سلام عادل يستند إلى مبادرة السلام العربية.. وعلى إسرائيل أن تثبت رغبتها بسلام كهذا وتأييد القوى الديمقراطية في العالم العربي".
والدواليبي هو ابن معروف الدواليبي الذي كان رئيسا لوزراء سوريا قبل سيطرة حزب البعث على السلطة. وهرب من سوريا في أوائل الستينات وأصبح مستشارا لعدد من الساسة في الخليج العربي.
وأكد رجل الأعمال السوري أن "أهداف" هذه "الحكومة الانتقالية" تتمثل في تسليح المقاتلين والعمل على "تدخل عسكري دولي مباشر" وضمان "عودة الأمن والاستقرار إلى سوريا".
وقال انه سيعلن عن اسماء الأعضاء الـ35 في الحكومة الذين أكد أنهم سوريون من الداخل بين عسكريين ومدنيين في وقت قريب.
الموساد وخطط التسوية
في وقت متقارب كذلك وحسب وكالة أنباء "يو بي اي" إعتبر الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيلي أفراييم هليفي في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه في حال الموافقة والنجاح في تطبيق خطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لحل الأزمة السورية، وبقي الرئيس بشار الأسد في منصبه، فإن إسرائيل ستمنى بأكبر هزيمة استراتيجية منذ قيامها.
وعبر هليفي عن توجسه من عدم وضوح الموقف الأمريكي من الخطة، ولفت إلى أن المعلومات التي تسربت عن لقاءات أجرتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في السعودية كانت قليلة للغاية.
وهاجم هليفي مثل عدد من الساسة الأمريكيين خاصة في المعسكر الجمهوري الرئيس أوباما لتردده في التدخل عسكريا.
في نفس الوقت أشارت مصادر رصد أن الرئيس أوباما لن يقدم على إتخاذ خطوة التدخل قبل نوفمبر إلا إذا تأكد أن الحملة ستكون سريعة وغير مكلفة ماديا أو بشريا لبلاده، وسيكون ذلك دعما لحملته الانتخابية.
مواجهة دولية
ما بين الصراع بين الأطراف المساندة للتدخل العسكري أو عدمه، وما بين الفرضيات المختلفة للحل السياسي المقبول أو المرفوض لأطراف إقليمية ودولية، تسود حالة من الترقب التي يخشى بعض المراقبين من أن تقود مثل الحرب الأهلية الإسبانية إلى مواجهة دولية من الصعب التكهن بأبعادها.
فاتح يونيو ذكر وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أن جيش بلاده مستعد لأي طارئ في سوريا مع التركيز حاليا على زيادة الضغوط، لدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة. وقال بانيتا في تصريح للصحافة على متن طائرته في رحلة إلى سنغافورة إن الولايات المتحدة تدرس كل الاحتمالات.
وأضاف بانيتا ان واجبه كوزير دفاع هو "التحقق من أننا عندما ننشر رجالنا ونساءنا باللباس العسكري، وعندما نعرضهم للخطر، نعلم ما هي المهمة، كما نعلم نوع الدعم الذي نحتاجه لانجازها".
وأشار إلى ان واشنطن لا تستبعد اي خيار لحل الأزمة. وقال "من المهم للولايات المتحدة الإبقاء على كل الخيارات متاحة للمستقبل".
في واشنطن ويوم 31 مايو أكد جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض أن الرئيس باراك اوباما يشعر "بالصدمة" حيال اعمال العنف في سوريا ولكن سياسة اتخاذ القرار ينبغي أن تضع في الاعتبار مصالح الأمن القومي".
وقال "ينبغي التركيز على عملية اتخاذ القرار وما تفعله الولايات المتحدة للوصول إلى النتيجة المتوخاة والعمل بحيث لا يترك ذلك عواقب ضارة بالنسبة للولايات المتحدة وفي بعض الأحيان على الناس الذين تحاولون مساعدتهم".
على الجانب الأخر من رقعة الشطرنج الدولية أعلن ديمتري بيسكوف الناطق باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الموقف الروسي حول سوريا "متوازن ومنطقي". وأضاف لوكالة "إنترفاكس" إن "موقف روسيا معروف جيدا وهو متوازن وثابت ومنطقي تماما" والقول إن "هذا الموقف سيتغير تحت ضغط أي كان، ليس صحيحا". وأضاف أن "موقف روسيا لا يستند إلى انفعالات غير مناسبة في وضع بمثل هذا التعقيد".
شبكة البصرة