محمد خالد
عندما تنصح الناس، فأنت تخاطب ضعفهم
عندما تجهّز الناس، فأنت تخاطب قوتهم
(جون مكسويل)
قبل 2400 سنة حذر الفيلسوف اليوناني أفلاطون قائلاً: “إن عقوبة عدم اشتراكك في السياسة هي أن يحكمك من هم دونك”
وَعُود ثقاب صغير يشعل الثورة عندما تتوافر ثلاثة شروط: “افلاس الطبقة الحاكمة – انسداد أفق الإصلاح – حياة الشعب لا تطاق” .
هكذا انتفضت الجماهير في خمس دول عربية مرة واحدة، لقد فعلها المواطن بأن قطع مسافة الخمسة أمتار من عتبة بيته إلى الشارع وأسقط الطبقات الحاكمة فيها .
إن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية يمر بمرحلة انتقال زئبقية رجراجة تطول أو تقصر حسب بقاء المواطن في الشارع أو عودته مُحبطاً إلى بيته قبل أن يحصد ما زرع، لأنه إذا تأخر المواطن الثائر في تسلّم السلطة فالبديل واحد من اثنين أو تحالف بين الاثنين: العسكري والديني “وشهاب الدين ألعنُ من أخيه” .
يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: “إذا وعى الإنسان وضعه جيداً فإنه لا يستطيع أن يطيقه” .
ربيع الشوك العربي هو المرحلة الانتقالية، وربيع الورد يأتي بعد المخاض . حالياً اليساري الثوري بدأ الثورة، اليميني المحافظ خطفها، والشعب يأكل الحصرم .
النفَسُ القصير هو الذي جعل المواطنين يتركون الشارع ويعودون إلى بيوتهم محبطين، فنشرة الأحوال الجوية ماطرة:
– مصر: انتخابات جديدة لنظام قديم
– ليبيا: بلد موحد يدفع فواتير قبائل انفصالية متشرذمة
– سوريا: حرب أهلية مُدولة
– تونس: حراك غير مستقر في نظام مستقر
– اليمن: نصف حل يبحث عن نصفه الآخر .
القاسم المشترك هو عدم الاستقرار، وهذه هي طبيعة المرحلة الانتقالية .
لقد تضاربت الأقوال بين الثورة والانتفاضة والهبة . إن أدق وصف للثورة هو: “ليس ثمة ثورة من دون تغيير النظام”، طبقة جديدة منتصرة تنتزع ذلك النظام من طبقة قديمة ساقطة
يجب الاعتراف أنْ لا دولة من ربيع الشوك العربي اقتربت من هذا الوضع حتى الآن . . يقال: “الأمل هو الصبر مع شمعة مضاءة”، للأسف وجّه أحد الكتاب كلامه للمواطن شامتاً: على الشعب أن يتحمل نتيجة انتخابه للذين خطفوا الثورة ولم يصنعوها .
الذي يصنع التغيير الحقيقي هو من يمتلك صفتين: الوعي والصبر . الحل هو أن يعود المحبطون الذين عادوا إلى بيوتهم متفرجين، وأن يكملوا صناعة ثورتهم بالعودة إلى الشوارع والميادين لأخذ حقوقهم في الكرامة والحرية كاملة، وأن يقصّروا الفترة الانتقالية الرجراجة باتجاه إنجاز النظام الديمقراطي وتصفية فلول النظام الديكتاتوري السابق، لأنه مهما تعقدت الأمور فإن المستقبل أفضل من الماضي .
حتى الآن لايزال الدين السياسي هو الأقدر على جذب وتجييش الدين الشعبي إلى صفّه وتنفير الناس من اليسار والليبراليين بترويج التهمة ضدهم (العلماني ملحد، والملحد كافر، والكافر إلى النار)، هذا هو سلاحهم الأمضى ضد اليسار الثوري الوطني، ودحض هذه التهمة هو بالاحتكاك بالناس في الشارع والحارة والمقهى والزواريب وطرح برامج مدروسة تصّب في مصلحة الشعب بدلاً من تبادل التهم، فليكن هناك من يشرح البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للناس .
تذكّروا أن أكبر حزب في التاريخ هو: الرغيف، فمن يملأ معدة الفقير بالرغيف يكسب أكثر من الذي يبيعهم الشعارات التي لا تطعم جائعاً . باختصار الحرية مع الخبز هي التي تجذب الجماهير وتَعِدُهم بمستقبل أفضل . فالسماء لا تمطر مكانس، المكانس صناعة أرضية، الديكتاتور يملك مكنسة واحدة طوال حكمه .
الديمقراطي يبيع المكانس بالجملة .
دار الخليج:الثلاثاء ,22/05/2012