أحمد العنيسي
هذا العنوان ليس الهدف منه التقليل من شأن المعلم، وإنما لتشخيص واقع ما يجري من ظلم، على محور رئيسي من محاور التعليم الثلاثة المعروفة (الطالب والمعلم والمنهج).
لم أقل ذلك عبثاً أو بهدف النقد، وإنما كانت لي تجربة مريرة في حقل التعليم وقضيت حقبة زمنية فيه – 9 سنوات عجاف-، حاولنا من خلالها مع أخواني المعلمين أن نغير من نمط التعليم، وكنا نطمح أن نرتقي به، وأن تكون للمعلم كلمة، وهيبة ومكانة تتمثل في توصيل رأيه والسماع لاقتراحاته من قبل إدارات التعليم، إلا أننا نصطدم بجدار أسمنتي، وإدارة غير مرنة، لا تسمع للرأي الآخر، ولا تعير أي اقتراحات أو مشاريع يتم تقديمها من هذا المحور المهم في إدارة العملية التعليمية.
المعلم وقع عليه ظلم متعدد، بدءاً من ضغوط الوزارة التي تجرب خططها عليه كل فترة من الزمن، فمرة تطرح مشروع التعلم التعاوني، ويفشل بسبب عدم تهيئة المعلم لهذا المنهج، وتنتقل بمنهجية أخرى تسمى التعلم الإلكتروني، والمدارس غير مهيأة لهذا المشروع الذي يتطلب تجهيز الصفوف بالسبورات الذكية والمناهج العلمية لإثراء هذه الطريقة إلكترونياً. كما أنه قصور تدريب المعلمين على استخدام أو قلة الدروس العلمية الذي يصب في هذا المشروع قد ساهم بإيقافه بعد الفشل أيضاً.
مرة أخرى تنتقل الوزارة ممثلة في إدارات التعليم بتجربة أخرى تحت مسمى مدارس المستقبل، الذي لم ينجح أيضاً بسبب قلة الإمكانيات المدرسية مثل عدم جاهزية الصفوف بالتوصيلات المطلوبة وعدم تناسق البناء القديم لإثراء هذا المشروع، وقلة أجهزة الحاسوب. فالاسم مثير وله صدى كبير، ولكن في جوهره هو محاكاة للمنهج التقليدي. ومن ثم وصلنا إلى آخر الصيحات من مشاريع التعليم المعروف بالتمايز الذي تقيس أسئلته وتقويمه لثلاث فئات مختلفة من مستويات الفهم. مع أننا لا نختلف مع هذا المشروع، إلا أن المناهج غير متوافقة لقياس هذا التمايز.
فهذه الوزارة ليس لها مشروع ثابت لتحسين التعليم، وإنما حقول تجارب على المعلمين، وتحاول تطبيق كل ما لدى الدول المتقدمة، في ظل عدم وجود الإمكانيات اللازمة التي توصلنا للهدف المنشود. فهي تقذف على المعلم مهمات مختلفة إضافية ومتنوعة وجهد يفوق طاقته كل سنة، من غير مردود مادي أو وظيفي يشجعه على مجابهة هذه المشاريع أو يدفعه للإبداع لكي نتوصل إلى مشروع ناجح وثابت. فكلما شعر المعلم بعدم الغبن كلما زاد في عطائه وثباته وأفرغ طاقاته والعكس صحيح عندما يشعر بالإهمال والخيبة.
الظلم الثاني من قبل الطلبة، الذين لم يجلُ المعلم، ولا يحترمونه كمعلم ما أدى إلى فقدان هيبته وكرامته كقائد للصف، ولم يعد يستطيع أن يقوم بواجبه داخل الفصل بسبب عدم سيطرته على القاعة، لما تحكمه من نظم وقوانين الوزارة المتمثلة في عدم التعرض للطالب، أو الصراخ عليه أو حتى توبيخه، وإن فعل عكس ذلك، وقام هذا الطالب بعمل شكوى ضده فله الويل والثبور من اللجان المتشكلة من هذه الوزارة، التي عادة ما تنصف الطالب وتهضم حق المعلم، فليحمد ربه أن لم يتعرض للفصل من العمل.
الظلم الثالث من قبل المجتمع، الذي كان ينصفه سابقاً، ويشعر المعلم بارتياح عند لقائه بالمجتمع، فكان يلمس احترام الناس والأسر، وبعض الطلبة الذين قام بتدريسهم، ولكن في الآونة الأخيرة فقد حتى هذه الفئة التي يعول عليها من هموم ومتاعب هذه المهنة غير المرغوبة بعد أن كانت جاذبة ومحبوبة.
إضافة إلى كل ما سبق وتلخيصاً للموضوع، أصبح المعلم في حنق من هذه المهنة، ولاسيما بعد زيادة المهمات، وسحب صلاحيات المعلم في إدارة الفصل، وتمرد الطلبة وزيادة الأعباء على المعلم، والجمود في الترقيات وتعسف الوزارة في طرح المشاريع كمثل تمديد الدوام المدرسي وسياسة التمييز وغيرها الكثير.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3543 – الأحد 20 مايو 2012م الموافق 29 جمادى الآخرة 1433هـ