مريم أبو إدريس
انتهى المستضعفون من العرب من استخدام كل الأساليب لدفع الظلم عنهم، جربوا الحوار، والمقاومة السلمية، تماماً كما جربوا العنف والمقاومة المسلحة بعد أن يئسوا، يبدو أن كل الأسلحة الناعمة والثقيلة لن تغير من وضعهم الإنساني الذي يتجاهله العالم، ويتذكرونه وحدهم، حتى جاءت معركة الأمعاء الخاوية، لتضع النقطة الأخيرة لسجلٍ طويل من انتهاكات حقوق الإنسان في معظم البلدان العربية، يقود ذلك اليوم ما يزيد على سبعين سجيناً فلسطينياً يشاركهم الحرب جوعاً مئات الفلسطينيين المتضامنين وعدد من النشطاء في البقاع المختلفة إما تضامناً للقضية ذاتها وإما لقضايا مشابهة تتعلق بملف حقوق الإنسان الذي ثقلت موازينه في الدول العربية، بسبب الاستهتار بقيمة الإنسان وأهميته.
وعلى رغم أن معركة الأمعاء الخاوية، أو الإضراب عن الطعام، لن يجدي نفعاً إلا في دول تحترم قيمة الإنسان وحياته، وتقيم لها وزناً وتجعلها أولوية، إلا أن العرب يصرون على خوض حربهم اليوم برقي لا يرقى له معذبوهم، مذكرين السجان أنه إن تناسى إنسانه المختبئ فهم مازالوا يتعاملون بإنسانية، ويصرون على أن يكونوا إنسانيين في احتجاجهم، وتمردهم على طمسه لإنسان هذا البلد، ورغبته في دفنه، جسداً وفكراً وتاريخاً.
في فلسطين قرر الشعب بأكمله أن ينهي هذه المعاناة لقضية العزل الإداري التي تطال كل من لا يعجب السلطات العدوة، فقبل أيام نفذ شباب متضامنون إضراباً عاماً في رام الله، صحت المدينة المثقلة بدموعها على وقع أقدام الشباب الثائر، ألصقت الأوراق التي تحمل صورة الأقفال على واجهات المحلات، في دعوة واضحة للإضراب الشامل، وقد تضامن معهم التجار، وقفوا على أبواب محلاتهم من دون أن يفتحوها تضامناً، فيما بقي قادة الإضراب من الداخل مصممين على المضي قدماً في إضرابهم على رغم مرور أكثر من 79 يوماً على الإضراب لبعض الأسرى، وقد انتهى يوم الثلثاء بفك إضراب جميع المضربين من الأسرى بعد الاتفاق على عدة أمور أهمها إنهاء ملف العزل بشكل مطلق خلال 72 ساعة من فك الإضراب، وذلك بإخراج المعتقلين الـ 18 من العزل وإعادتهم إلى السجون وعدم اللجوء إلى سياسة العزل مجدداً، كما اتفقوا على رفع المنع الأمني عن زيارات الأهل في الضفة الغربية للأقارب من الدرجة الأولى، والسماح لأسرى قطاع غزة بالزيارات العائلية في غضون شهر، كما تضمن الاتفاق خفض أسعار البضائع التي يشتريها الأسرى من داخل السجن وتوسيع مجال المشتريات، لقد جاءت جميع المطالب لتحسن أوضاع الأسرى الفلسطينيين، لأن الأسر سمة المحتل والإفراج يشمل البعض بينما تحسين الأوضاع سيمتد ليكون قانوناً واتفاقاً دائماً تلتزم به إدارات السجون مستقبلاً.
ما يثبته الواقع أن للصمت ضجيجاً عالياً يصعب تجاهله، وأن الأمعاء الخاوية قد تكون أشد فتكاً من الأسلحة، وأكثر وقعاً من صراخ الاحتجاجات الناطقة، ستبقى قضية الإنسان أشرس ما يلاحق السلطات المتوحشة، التي تذهب عميقاً في خلق قوانين تحاصر الإنسان لا الطغيان.