مريم أبو إدريس
لطالما عانت الفئات الأضعف من اجحاف الحياة، من قوانين لا تنصفهم، ودول تميز بين مواطنيها على اساس الطبقة، والاصل، واللون، على امتداد الزمن كان الفقراء والمساكين، المظلومون والعاجزون يحتالون على بؤسهم بوعد الجنة، لا يبدو غريباً اننا مازلنا نمارس ذات الحيلة حتى اليوم، يشتكي البؤساء حاجتهم، ولأننا عاجزون عن تغيير واقعهم نذكرهم بأن الله سيعوضهم ذات يوم، من لا يملك بيتاً سيبني له الله آخر اكبر واجمل في الجنة، الفقير سيكون غنياً ذات يوم، او ربما ان لم يحدث ذلك فوعده الآخرة، المظلوم سينتقم له الله ايضاً، ان لم يحدث هذا في حياته، سيجد انتقام الله في الاخرة، كل الأمور ستصبح رائعة ذات يوم.
الحيلة القدرية التي نمارسها للتغلب على بؤسنا وعجزنا عن تغيير الواقع هي الاتكال على الله، وتمرير احلامنا وامنياتنا التي نستسلم في تحقيقها ليقوم بها عوضاً عنا، من لا يملك بيتاً ليس عليه ان ينتظر ليعوضه الله في الآخرة، لأننا نعيش في دولةٍ ينص دستورها على حقنا في توفير المسكن اللائق، وحين نعجز عن محاسبة حكوماتنا، ونستصعب سؤالها عن سبب عيشنا مشردين في دولةٍ نفطية، فنلقي بعبئنا على الله، نطالبه بمنازل في الاخرة، وقصور وحدائق، وأمنيات خضراء تعيننا على العيش محرومين في الأرض، المظلوم أيضاً ليس عليه الاتجاه للقضاء، ولا طلب العدالة الضائعة وسط دهاليز فوضى القانون؛ لأننا نعجز عن مراقبة تطبيق العدالة فنحيلها إلى محكمة الآخرة، وتؤجل القضايا الى يومٍ غير معلوم، نستمر في الدعاء ليل نهار لنرى آثار انتقام الله، وننسى اننا في دولة يحكمها القانون أيضاً، وأن محكمة الآخرة لا تلغي محاكم الدنيا، التي علينا التأكد انها تقوم بدورها كما يجب ان يكون، الفقير والمحروم عليه ان يعيش كذلك للأبد؛ لأننا لا نملك قدرة محاسبة المعنيين بالشئون الاجتماعية، ليس عليهم خشية مراقبتنا لعملهم في دعم ومساندة هذه الفئات المحتاجة، ولأننا لا نقوم بواجبنا في رقابتهم ومحاسبتهم كما يجب فإنهم يوغلون في تقييد صرف هذه المساعدات، وتصعيب امورها على المواطنين، يستحدثون المعايير تلو المعايير، لا لتصب في صالح المحتاجين بل ليستثنى اكبر عددٍ منهم، هؤلاء ايضاً سيعوضهم الله في الجنة بالنعيم، والأطياب، ولتبقى بطونهم في الأرض خاوية، فتلك حيل البؤساء.
لم يخلقنا الله في الدنيا لنؤجل الحياة، بل لنعمر الأرض، ونقضي الحياة في العمل والعطاء، لنعيش هذه الحياة بكل تفاصيلها، دون اغفال الحياة الأخرى، ولكن أيضاً دون تأجيل هذه الحياة، لذا لن نحتال بعد الآن، لن نعِد المحرومين بجنات النعيم لنصرف انظارهم عن تقاعسنا عن مساعدتهم، لنكن قوة قادرة على الدفع نحو اصلاح حقيقي في مؤسسات الدولة لتقوم بدورها باهتمام عوضاً عن رمي ثقلنا على الله وخلق حيل نتجاوز بها عن تنازلنا عن حقوقنا في الوطن.