سوسن دهنيم
كانوا يشترون رغوة أعياد الميلاد ليلعبوا بها بضحك لا حدود له، كلما أطلقوها على بعضهم البعض ببراءة وعذوبة وفرح. لكنهم اليوم يشترونها لإكمال مشهد ضمن مسرحية أو لعبة اعتادوا تمثيل أدوارها منذ عام أو يزيد، انها مسرحية: الشباب والشغب!
الرابط بين رغوة الميلاد ومسيلات الدموع هي الهالة البيضاء التي يطلقها كلاهما، وما جعلني أذكر هذا هو آخر حفل عيد ميلاد حضرته قبل أيام، كان الأطفال فيه يلعبون بمرح مع الشخصية الكارتونية الموجودة بأحد المطاعم، وما إن أعلنت الموظفة انتهاء البرنامج حتى قام الأطفال بالانقسام بشكل عفوي إلى جبهتين: جبهة تمثل الشباب وجبهة تمثل قوات مكافحة الشغب. الأولى لبست الأقنعة التي وزعت في الحفل ورفعت المناديل باعتبارها أعلاماً، والثانية أمسكت بعبوات الرغوة وارتدت القبعات!
أي ذاكرة هذه التي صار أطفالنا يحملونها وأي واقع هذا الذي باتوا يعيشونه؟!
أطفال بمختلف الأعمار يلعبون هذه اللعبة وينقسمون ويرتبون صفوفهم بلا أي تدريب وكأنهم كانوا مستعدين لهذه المسرحية بتدريبات استمرت أياماً بل اسابيع لجودة ما عرضوا!
كان الأطفال يعلمون بعضهم ألعاباً لم يعرفوها يوماً بهذه التفاصيل، فقد كان أحدهم يطلق أصواتا مختلفة ليقلد صوت القنابل الصوتية تارة ومسيلات الدموع تارة والرصاص المطاطي تارة أخرى، وحين رأى أحدهم «تي شيرت» صديقه منقطا بالأسود قال: «هذا هو رصاص الشوزن أسعفوه بسرعة ولا تأخذوه إلى السلمانية»!
راعني المنظر وبت أرقبهم بصمت وتعجب، وحين انتهى المشهد استدعيت «كبير الضباط» وسألته عن تفاصيل ما رأيت فضحك وقال: هذه هي المسرحية التي نراها كل يوم في قريتنا، ولهذا حفظنا المشهد، «تبين تشوفين الحقيقة تعالي بيتنا واسمعي وش يصير، بتصيرين خبيرة».
خرجت شاردة من الحفل وأنا أحاور طفليّ عما شاهدا، ضحكا كثيرا وقالا إن اللعبة أعجبتهما وأنهما سيلعبانها في المرات القادمة مع أصدقائهما ولكن من غير رغوة!
كيف اغتيلت براءة اطفالنا وكبروا بهذه السرعة؟ كيف صار لعبهم رصاصاً وهم الذين كانوا يلعبون الأسرة الصغيرة و»السكينة» و»اللقفة» و»التيلة» و»الدوامة»؟
هل ستكون هذه اللعبة يوما ضمن الألعاب الشعبية بعد عشرين سنة، وتكون لعبة في كتاب يحمل اسم: ألعابنا الشعبية في الفترة بين: 2011- 2031»؟
ومضة:
إياك أن تخبر أحدا باستحالة فعل شيء. فمن يجهل المستحيل هو القادر على تحقيقه.
جيه. إيه. هولمز