مريم أبو إدريس
لم يكن الشعب البحريني قد انتهى من برامج الإعلام المرئي المحرّضة منذ مارس/ آذار 2011 وتوقفت قبل فترة وجيزة من بدء عمل اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق، حتى عاد الإعلام ذاته لسيرته الأولى، وكأن قدر المواطن البحريني أن يعيش هذا الشحن الطائفي البغيض الذي لا تبرره أي مسوغات تساق في ذلك، فقبل أيام عرض برنامج شبيه بالبرنامج الذي ترصّد للمواطنين وشهّر بهم ووضع الدوائر على وجوههم وعمد إلى تهديدهم وكان هو الطريق لمعرفة معتقلي اليوم التالي.
ما ورد في هذا البرنامج لقرابة الساعة أو أقل لم يخلُ من التحريض ضد فئة من الشعب وإن لم يتم الإشارة لهم اسمياً، فالتحدث عن أعمال إرهابية على حد ما ذكر في البرنامج لا يوصل المشاهد إلى جماعة لا تنتمي لمكون طائفي أو ديني أو مناطقي محدد، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن البرنامج يتحدث عن بلد معين يمر بحالة من الاحتجاج الشعبي، وبالتالي فإن وصف من يمارس العنف سيؤدي بالضرورة لطمغ فئة محددة بهذه الصفة، ما سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان الطائفي والكراهية بين مكونات الشعب.
لقد خص تقرير لجنة تقصي الحقائق جزءاً منه لعرض الادعاءات إزاء الإعلام، إذ شكى مذَّاك الوقت عدد كبير من المواطنين من تورط الإعلام الرسمي في استهدافهم والتشهير بهم، وقد ورد في الفقرة 1635 من التقرير «تبين أنه كان هناك اتجاهاً في وسائل الإعلام البحرينية يقوم على تلويث سمعة المحتجين، سواء أثناء أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011 وبعدها، ويستند هذا الاستنتاج إلى مراجعة جزء من المواد التي أذاعتها وسائل الإعلام، ولاسيما البرامج الإخبارية والصحف، فعلى سبيل المثال نشر البرنامج التلفزيوني البحريني المسمى الراصد صوراً وأسماء لمتظاهرين وتحدث عنهم بطريقة مهينة… إلخ»، ورغم مرور أشهر على تقديم التقرير الذي تم قبول ما ورد به وتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ توصياته إلا أن الإعلام يبدو بمعزلٍ عن كل ذلك، ولا يجد أي حرج في مواصلة ذات الخط الذي انتهجه منذ بدء الاحتجاجات، ناهيك عن التداخل بين خط القضاء الذي لابد أن يأخذ مجراه، وشوشرات الإعلام التي تبث صوراً وشهادات لمتهمين لم يثبت قضائياً تورطهم بحكم المحكمة.
ما يقوده البعض من حملة ضد مكون من الشعب، لا يخدم وحدة الشعب بل يعمل على إثارة النعرات الطائفية والخلافات الفئوية بين أطياف المجتمع التي عاشت بوئام لعقود طويلة من الزمن، وتنص المادة رقم (1) من المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر على: «لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وفقاً للشروط والأوضاع المبينة في هذا القانون وذلك كله دون المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية»، ما يجعل وسائل الإعلام ملزمة تحت طائلة القانون بتجنب كل ما يعمل على زيادة حدة التوتر والخلافات بين مكونات المجتمع، مع أهمية احترام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تنص الفقرة الثانية من المادة 20 على «تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف».
نود أن نرى برامج تعمل على تعميق وحدة الشعب، ورأب الصدع الذي تأصّل بفعل حاضنات الكراهية من برامج ومقالات وجماعات عملت على بث الفرقة بين أطياف الشعب الواحد.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.