هاني الفردان
«حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدّق فلا عقل له!» مقولة مشهورة لا تحتاج إلى تفسير أو توضيح، تنطبق على أحد الاخبار التي تداولتها وكالات الانباء العالمية عن البحرين! وذلك عندما اتهم الطفل ياسين شبر البالغ من العمر 13 عاماً بضرب شرطي وتمزيق قميصه وإثارة الشغب والتجمهر.
قد نصدق تهمة التجمهر، فقد يكون الطفل تجمع مع أكثر من أربعة أطفال، وبحكم قانون التجمعات (ورغم ما عليه من تحفظات كثيرة) فهو مخالف للقانون وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
وقد نصدق أيضاً إثارة الشغب، رغم أنه «طفل» لا يعي معنى التجمهر والشغب، ولكن أن يتهم الطفل بضرب شرطي وتمزيق قميصه، فهذا أمرٌ لا يصدق إلا إذا كان الطفل من سلالة هرقل أو طرزان وسبايدرمان.
المحامي محسن العلوي أرسل عبر بيان مناشدة للمنظمات المحلية والدولية للتدخل من أجل إطلاق سراح الطفل، الذي تعرّض بحسب رواية المحامي للضرب الذي بدت آثاره على جسمه.
العلوي قال إن الطفل كان جالساً عند منزله في مدينة حمد بالدوار الرابع، وفي تلك الأثناء خرج عدد من الأطفال لإغلاق الشارع (ربما يكون هنا تجمع وكذلك شغب)، وعند مشاهدتهم الشرطة هربوا، إلا أن موكله كان جالساً فتم القبض عليه وضربه، وفي مركز الشرطة تم إخلاء سبيله. وإلى هنا قد تكون الرواية منطقية، فهو طفل مع مجموعة من رجال الأمن، ولو كان الطفل من سلالة هرقل فإنه أيضاً «الكثرة تغلب الشجاعة»، ومقولة أن الطفل ضرب شرطياً ومزّق قميصه تحتاج إلى تروٍ وتعقل وبصيرة.
هذه الحادثة ليست جديدة على الساحة البحرينية، فقبل أحداث فبراير/ شباط 2011، كانت قضايا الأحداث محل جدل كبير. فمازلت أذكر قضية الطفلين أيمن جعفر حسن عباس ومحمد علي حسن عباس وكلاهما من مواليد العام 1998، (أي عمرهما 13 عاماً)، الموقوفَين في أغسطس/ آب 2010، وحكم عليهما بالسجن ستة أشهر، وهما ضمن 65 طفلاً احتجزتهم الجهات الأمنية بتهم أمنية لا يفقهون التهم التي تلقيها عليهم النيابة العامة.
ومازلت أذكر طرحي الموضوع على وزيرة التنمية الاجتماعية (سابقاً) فاطمة البلوشي، وزيرة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية (حالياً) في مؤتمر صحافي عن تدشين استراتيجية الطفل في البحرين في يناير/ كانون الثاني 2011 عندما تحدثت عن وجود قائمة أطفال معتقلين، واستنكرت الوزيرة ومن معها ما نشرته «الوسط» في ذلك الوقت، بل ذهب الموجودون في المؤتمر لتكذيب الخبر، ومن بينهم رئيسة نيابة الأحداث الشيخة نورة آل خليفة. وطالبوا في ذلك الوقت بقائمة الأسماء وأعمارهم، وتحدّثوا عن وجود خلل في القانون الذي يعتبر الحدث في سن 15 عاماً وما دونه، رغم مخالفته للقوانين الدولية.
وعلى إثر ذلك أرسلت قائمة بأسماء الأطفال المعتقلين في ذلك الوقت للوزيرة ورئيسة النيابة، اللتين أكدتا بأن لا علم لهما إلا بثلاثة أطفال متهمين بقضايا أمنية من أصل 18 حدثاً يُؤويهم مركز الأحداث. وهو ما يؤكد أن البقية كانوا في مراكز الشرطة الاعتيادية.
على إثر ما حدث في المؤتمر الصحافي دعتني الشيخة نورة لمكتبها في النيابة العامة وتحدثنا طويلاً عن معاملة الأطفال، والمخالفات القانونية، وزجهم في السجون العادية مع الكبار، ووعدت برفع القائمة للنائب العام للتحقق من الأمر، كما وعدت الوزيرة ببحث القضية.
انتهت القضية إلى هنا، ولم نسمع عن شيء بعد ذلك، وبقي الحال على ما هو عليه، أطفال صغار يعتقلون، تهم لا تمت للمنطق والعقل توجه لهم، ضرب، اعتداء، وغيرها من ضروب المعاملة غير الإنسانية.
قضية الطفل ياسين واحدة من عشرات القضايا، وربما قضية أطفال بني جمرة، وتدخل رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني بنفسه للإفراج عنهم بعد تعذيبهم في مركز شرطة، وتوثيقها، ما جعل وزارة الداخلية تعد بالتحقيق مع المسئولين عن تعذيب الأطفال (لا نعلم ما حدث في القضية)، خير دليل على انتهاك حقوق الأطفال في البحرين، دون أن يكون للجهات الرسمية المعنية بالطفل وحقوق الإنسان، أي حراك أو حتى بيان رفض واستنكار لما حدث ويحدث.
الطفل ياسين سبقه أيمن ومحمد، وكذلك أطفال بني جمرة وغيرهم كثيرون، ولا أعتقد أنهم سيكونون آخر القضايا، في ظل مؤسسات رسمية معنية بالطفولة لا ترى المشهد إلا من عين واحدة فقط، إذ ستجزم تلك المؤسسات بأن ياسين كان هرقل حين ضرب الشرطي ومزّق قميصه.