الكاتب د. محمد صالح الهرماسي
مهما أتّهمت باللاواقعية، فسأظل أكرّر أن فلسطين المغتصبة يجب أن تتحرر من النهر إلى البحر.
وأعتقد جازماً أنّ السبب الجوهري في عدم قدرة العرب على تحرير فلسطين هو تراجعهم الانهزامي عن مبدأ تحريرها كاملة، واختيارهم طريق السلام الأمريكي (الاستسلام) الذي سلبهم 78% من أرضها التاريخية ويسعى بشكل منهجي إلى ابتلاع ما تبقى….
لتحرير أرضك يجب أن تؤمن بأنها لك كاملة دون نقصان، أمّا إذا اعترفت للمحتل الذي يغتصب حقاً فيها، مهما كان هذا الحق صغيراً، فإنك تكون بذلك قد أضعتها إلى الأبد…. وما فعله العرب (أقصد النظام الرسمي طبعاً) هو أنهم تنازلوا لإسرائيل عن معظم فلسطين، ومن يتنازل عن بعض وطنه يمكن أن يتنازل عن كله. فكيف وقد تنازل عن معظمه….
لقد ولّى زمن كان مجرّد الحديث عن الاعتراف لإسرائيل بأرض في أرض فلسطين يعتبر خيانة موصوفة تُلحق الخزي والعار بصاحبها. ومن ينسى كيف صبّت الأمّة لعنة غضبها وسخطها على "الخائن" بورقيبة لأنّه دعا عام 1965 إلى القبول بقرار التقسيم الذي أعطى إسرائيل 55% من أرض فلسطين وأعطى العرب 45%….!!!.
وقتها كان المبدأ المقدس الذي تؤمن به الأمّة العربية هو أنّ فلسطين هي كل فلسطين حتى آخر ذرة من ترابها الطاهر. وكان أكثر ما يقض مضاجع الصهاينة وحماتهم هو هذا المبدأ العقائدي ذو المضامين الوطنية والقومية والدينيّة المتجذرة بعمق في الوجدان العربي، فركزوا تركيزهم الدقيق على ضربه والقضاء عليه.
ونجحوا بمساعدة أدواتهم من الحكام العرب، الذين تبيّن أنّ ولاءهم لفلسطين التاريخية لم يكن حقيقياً وصادقاً بقدر ما كان موقفاً اضطرارياً اقتضته مهادنة المدّ القومي التحرري الذي ساد في تلك المرحلة، نجحوا في تحويل فلسطين من قضيّة عقائدية إلى قضيّة سياسية هزيلة ثم إلى مجرّد قضيّة عقارية أكثر هزالاً.
وهكذا أصبح ما كان يعتبر خيانة قومية ووطنية ودينية لا تغتفر واقعية سياسية تضمن لبعض الحكام الاستمرار في كراسيهم وتُوصل البعض (الفلسطينيين) إلى كرسي السلطة حتى ولو كانت هذه السلطة مسخاً وكرسيّها من تنك….
لكن فلسطين ستظل قضيتنا المقدسة رغم أنف الجميع. فلسطين لست ملكاً لأحد ولا حتى للفلسطينيين الذين باعوها وما زالوا مستمرين في بيع ما تبقى منها.
فلسطين ملك الأمّة وروحها. وكل ما أبرم بشأنها من اتفاقيات ومعاهدات لا تلزم الأمّة في شيء.
وعندما ينجلي هذا الليل الطويل الذي خيّم على العرب، وينتهي زمن العمالة التي أصبحت اليوم سياسة يمارسها حكام الخليج وأزلامهم في العلن، وتعود فلسطين عقيدة كما كانت، عندها سيبدأ العدّ العكسي لزوال الكيان الصهيوني من الوجود…