قاسم حسين
شهدت غرفة تجارة وصناعة البحرين يوم الأحد (8 أبريل / نيسان 2012) جلسةً حاميةً أسفرت عن تشكيل «لجنة تحقيق» للبت في اتهامات وُجِّهت إلى الرئيس التنفيذي، وعودة عضوي المجلس المفصولين عادل العالي وإبراهيم الدعيسي إلى المنصة، والإعتذار لهما، فيما يشبه رد الاعتبار.
العضوان تم فصلهما ضمن موجة «المكارثية» التي اجتاحت الكثير من الوزارات ومؤسسات القطاعين العام والخاص، في أبريل/ نيسان العام الماضي (2011)، وأسفرت عن فصل آلاف الموظفين من مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، وقطع أرزاق آلاف العوائل البحرينية. وكان يجري ذلك أحياناً بتهمة «الذهاب إلى الدوار»، أو المشاركة في مسيرة سلمية أو اعتصام قبل عام، وأحياناً بسبب وشاية من طامع في منصب، ووجد فرصته التاريخية للقفز. وهي مرحلةٌ سيتم رصدها باعتبارها «نكبة أخلاقية» غير مسبوقة في تاريخ البحرين. فلم يحدث أن تحوّل حتى بعض المثقفين إلى مخبرين ووشاة.

غرفة التجارة أصابها الراش هي الأخرى، وبدأ مسلسل الوشاية وجلسات التحقيق، فتم فصل اثنين من أعضاء مجلس الإدارة، وعشرة من المديرين، وموظفين آخرين.
غرفة التجارة من أقدم الغرف التجارية في الخليج، فقد ناهز عمرها الثمانين عاماً، وقد أرست تقاليد وأعرافاً تحكم علاقات أهل السوق، بحرينيين ووافدين، في بلدٍ يقوم تقليديّاً بوظيفة محطة «الترانزيت» في حركة التجارة بالمنطقة. ولم يكن غريباً في هذه المحطة التي تميّزت بالتسامح والطيبة والانفتاح، أن يتخذها كثيرٌ من التجار الوافدين موطناً، كما لم يكن غريباً أن يصل بعضهم إلى مجلس الإدارة.

الغريب هو ما حدث في العام 2011؛ كان شيئاً مخالفاً للأخلاق والتقاليد التجارية الراسخة، وللأعراف السائدة في مجتمع التجار، الذي كان أحدهم يأتمن زميله على عائلته حين يسافر. وكان التاجر القادم من شبه القارة الهندية لا يتعامل في العام 1912 مع نظيره البحريني بالأرصدة غير رصيد الثقة. كل هذا التاريخ الممتد لأكثر من مئة عام، أطاح به مجلس الإدارة حين أصدر قرار الفصل لأعضائه لدوافع سياسية، والتزم الصمت لأكثر من عامٍ وهو يشاهد عشرات المحلات التجارية، لبعض أعضاء العائلة التجارية، تتعرض للتخريب والتكسير والنهب والسرقات.
احتاجت الغرفة إلى تحقيق صحافي نشرته «الوسط» على حلقات، لتصدر بياناً خجولاً متلعثماً، فيه تهرُّبٌ واضحٌ من إدانة الجاني، ومحاولةٌ مكشوفةٌ لرمي التهمة على كبش فداء. هذا البيان لم يفلح في تبرير الموقف المتخاذل والصمت المريب للغرفة طوال هذه الأشهر، وخصوصاً أن التحقيق الصحافي المدعم بالصور الموثقة، جعل القضية حديثاً للمجالس، وقضية رأي عام.
تناول الصحافة المستقلة لموضوع الغرفة، فتح الباب للكثيرين للحديث عما كان يُتَداول بالسر، من سحب مناقصات واستهداف بعض الأسر التجارية العريقة بالاسم، و «تحويش» على الغنائم من جانب بعض الفئات المتنفّعة من وراء أجواء الشد الطائفي. وهي ظاهرة مخجلة جدّاً، وجدنا صوراً كثيرة لها في وزارات ومؤسسات حكومية عديدة، وفي القطاع العام والخاص. كانت كارثةً أخلاقية حقيقيةً، حين تحوّل التاجر البحريني الذي كان جدّه يأتمن زميله على عائلته في سفره، إلى ساعٍ لقطع رزق زميله والتحويش على ما يتساقط من مغانم جراء ضرب تجارته وتشويه سمعته.

على ضوء هذه الخلفية، شهد اجتماع الجمعية العمومية حضوراً كبيراً على غير العادة، وخضعت الإدارة إلى هجوم شديد ونقد عنيف من مختلف الأطياف، ولم يقف تاجرٌ واحدٌ ليدافع عن قرارات الغرفة. هذه الغضبة أوضحت أنه ليس هناك تاجرٌ، من أي طائفةٍ أو طيفٍ، يقبل بارتهان هذه الهيئة العريقة لقرارات خارجية، أو خضوعها لإملاءات سياسية، أو إخضاعها لأجندات طائفية، وفقاً للمصلحة الخاصة لبعض الأعضاء.

ما شهدته غرفة التجارة كان انتفاضة، وإعادة اعتبار للمفصولين تعسفياً لأسباب طائفية، وتصحيحاً للمسار.