عيسى سيار
لقد دشنت البحرين مشروعاً إصلاحيا كبيراً مع بداية العقد الماضي اتخذ أبعادا سياسية واقتصادية وتعليمية وهذه الأبعاد من المفترض استراتيجياً ان تكون لها تداعيات وانعكاسات إيجابية على النمو الاقتصادي بشكل عام مما يؤدي في المحصلة النهائية إلى مجتمع الرفاهية الاجتماعية والعيش الكريم للمواطن، إلا أن هذا الهدف بالطبع لم يتحقق حتى الآن فالمواطن لم يشعر بأي مؤشر على تغيير ملموس في تسيير أموره الحياتية.
ولأن أي مشروع إصلاحي كبير صرفت عليه الملايين كالذي نفذته البحرين يحتاج إلى توفير بيئة حاضنة له تتسم بالشفافية والنزاهة الوطنية والرؤية التي تتسم بالوضوح التام، فإنه ينبغي توافر الكفاءات الوطنية المؤهلة ذات الخبرة والقادرة على قيادة الإصلاح وبالتالي تحقيق مخرجات مقاربة للفروض الطموحة التي وضعها مهندسو المشروع الإصلاحي في مرحلة التخطيط. والسؤال الذي يطرح نفسه هل قدمت تلك الكفاءات التي تقود المشروع الإصلاحي المطلوب منها حتى يشفع لها الوطن والمواطن؟ وللإجابة على هذا التساؤل إليكم الحقيقة المرة!
مع بداية تدشين المشروع الإصلاحي برزت ظاهرة لافتة للعيان تتمثل في بروز ما يمكن أن نطلق عليه الإداري «السوبر مان» بشكل عام وفي القطاع الحكومي بشكل خاص! حيث تقوم الجهة المعنية بالامر بتكليف شخصية ما برئاسة ثلاثة أجهزة حكومية أو شركات تابعة لها حيث يعين هذا السوبرمان الإداري رئيساً تنفيذياً في مؤسسة حكومية وفي شركة حكومية رئيس مجلس إدارة وفي شركة حكومية أخرى عضو مجلس إدارة… إلخ وهنا نتساءل وبمهنية عالية هل يستطيع هذا الرجل أن يحقق المخرجات عالية الجودة المطلوبة إذا أوكلت إليه ثلاثة مناصب أو ربما أكثر في إدارة مؤسسات مهمة يتوقع أن تحقق نتائج ملموسة في تطور اقتصاد البلد. أضف الى ذلك قد يكون هناك تضارب في المصالح وتدنٍ في مستوى الشفافية وليس أدل على ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر من تكليف وزير بثلاثة مناصب حساسة فيها الكثير من تضارب المصالح ولا تمت للإصلاح بصلة، ونتساءل هنا وبمشروعية كيف يستطيع بهذا الكم الكبير من المسئوليات وفي غياب الشفافية أن يطور أجهزة حكومية حساسة أو ينقذ شركة حكومية مهمة من الهاوية التي وقعت فيها!؟
إن التكليفات والتعيينات التي تتم بهذه الطريقة فيها كثير من الظلم للبلد أولا وثانيا للشخص نفسه، فأي شخص مهما كانت كفاءته هو عبارة عن طاقة وإمكانيات وقدرات وإشغال كاهله بالطريقة التي ذكرناها سيعرضه للفشل في إدارة كل المؤسسات التي كلف بإدارتها، ولكن ما هو السر في وجود ظاهرة الإداري «السوبر مان»؟
في العام 2005 وبناء على طلب من أحد المسئولين في الدولة التقى بي وبصفتي رئيسا لجمعية أصحاب معاهد التدريب آنذاك خبراء من شركة ماكنزي التي قامت وبتكليف من مجلس التنمية الاقتصادية بإعداد دراسة الإصلاح الاقتصادي الشامل، وفي بداية حواري معهم سألتهم: هل يوجد في أي بلد في العالم سوق عمل واحدة أم سُوقان؟ فأجابوا سوق واحدة فقلت إذن لماذا دراستكم موجهة فقط إلى سوق العمل في القطاع الخاص دون القطاع الحكومي؟ فأجابوا لقد طلب منا ذلك فأجبتهم بان نتائج دراستكم ستكون قاصرة أو سيشوبها نوع من عدم الصدقية… ولم يعلقا على ذلك واكتفينا بالابتسامة! لأنهما يعرفان تمام المعرفة بان أي دراسة في أي مكان في العالم يتم توجيهها مسبقا من قبل السياسيين وبشكل انتقائي أو مُجتزأ سوف يؤثر ذلك قطعاً على نتائج الدراسة وتطبيقاتها. وهذا ما يعانيه بالفعل الان مشروع الإصلاح الاقتصادي الشامل، فالنتائج المتحققة من الإصلاح الاقتصادي وإصلاح سوق العمل وإصلاح التعليم والتدريب وبعد ما يقارب من الست سنوات من التطبيق لم ترق النتائج إلى طموحات المسئولين والمواطن البحريني وهذا فيه من الإجابة الواضحة والتي لا تخطئها البصيرة على ما أشرنا إليه، بأن التعيينات في المناصب القيادية تتم على أسس شخصية، أي تحددها الولاءات للشخوص وليس للوطن وبالتالي فان العديد من المناصب الحكومية يتقلدها إما أشخاص تنقصهم الكفاءة ومهارات القيادة أو ان يتم تحميل كاهلهم بأكثر من ثلاثة مناصب وكأن «ما في البلد إلا هالولد!».
ان الحكومة ومجلس التنمية يتحملان المسئولية عن ظاهرة «ما في البلد إلا هالولد» وعليهما ان يعيدا النظر وبالسرعة الممكنة في المعايير التي يتم من خلالها التعيين في المناصب القيادية في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية واهم معيار في التعيين ان تقدم مصلحة الوطن العليا على كل شيء ثم تأتي المعايير الأخرى كالقدرات القيادية والكفاءة والمهنية والخبرات… الخ.
أعتقد وبعد هذا العرض ان في البحرين ظاهرة لا فتة للعيان وهي ان القائمين على تلك الأجهزة والهيئات الحكومية لديهم قناعة متأصلة ومنذ بداية مرحلة بناء الدولة بعد الاستقلال تقوم على فلسفة ان من تم تعيينهم في المناصب القيادية الحكومية يجب أن تكون ولاءاتهم أولا لمن يعينهم وان تطوير المؤسسات التي يديرونها تخضع لرغبات ومصالح من عينهم ولا تخضع للاستراتيجيات والخطط التي وضعت وصرفت عليها الملايين! وهنا مربط الفرس، فالإداري السوبر مان لا نقلل من كفاءته ومهنيته، ولكنه حسب المعايير التي يضعها المعنيون بالامر يجب ان يتوافر فيه التمتع بشخصية غير قادرة على ان تقول لصاحب الشأن بأنني اختلف معك أو ان توجيهاتك قد تذهب بالمؤسسة إلى المجهول!؟!
وعلى الإداري السوبر مان ان يقول لصاحب الشأن دائما وأبدا «الشور شورك يايبه والقول قولك يايبه» كما كان يرددها عبدالحسين عبدالرضا في مسلسل درب الزلق، وبالتالي إذا كنت من هذه الفئة ستكون سعيد الحظ وستصبح الإداري السوبر مان وسيتم تلميعك في الإعلام حتى تكون سوبر مان بامتياز! وللعلم فان مسألة الإداري السوبر مان ليست طارئة على القطاع الحكومي حيث ان بذورها برزت في منتصف السبعينيات منذ الاستقلال ولكن أصبحت ظاهرة مع بزوغ فجر الإصلاح في بداية العقد الماضي!
إننا نؤمن بالإصلاح فهو يؤشر على فلسفة إدارية متقدمة وتقوم به الدول لتصحيح الأوضاع القائمة من أجل إحداث نقلة نوعية تنقل البلاد بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص إلى حال أفضل، ولكن السؤال المفصلي هنا: بناءً على أية معايير يتم اختيار قادة مؤسسات العهد الإصلاحي؟ وما مدى قدرة وكفاءة وتفرغ الإداري السوبر مان لقيادة المؤسسات إلى بر الأمان؟ هذه رسالة إلى من يعنيه الأمر! فمن يرفع الشراع؟