قاسم حسين
لم يكن الجوُّ بارداً؛ فمازلنا في شهر مارس/ آذار، ولم يكن ضباباً والوقت الرابعة والنصف من عصر الجمعة الماضي، وإنما كانت سُحُباً من مسيلات الدموع.
كان أطفال العائلة يلعبون في فناء (حوش) «البيت العود»، وفجأةً دخلوا إلى الصالة المغلقة، بعد أن بدأت سُحُبُ الدخان الخانقة تغرق شوارع القرية.
كان المنظر أشبه بالضباب الكثيف، أو قطع السحاب التي تعبر السماء في الشتاء. واستمر الإطلاق إلى ما بعد أذان المغرب. كانت مع العائلة بعض نساء الجيران اللاتي اعتدن على زيارة الوالدة كل يوم.
استخدام مسيلات الدموع أصبح موضوعاً ملحّاً في البحرين، بعد أن أصبح أداةً عقابيةً لعشرات القرى، التي يقطنها عشرات الآلاف من المواطنين الذين يُحاصَرون في منازلهم كل مساء. وهي من المناطق المحسوبة تقليديّاً على المعارضة، وتتميز بكثافة سكانية عالية، وحراكٍ سياسيٍّ قوي، وبنيةٍ تحتيةٍ هزيلةٍ وخدماتٍ ضعيفة يكشفها أي هبوب ريح قوية أو تساقط زخاتٍ من المطر.
بتنا نقرأ يوميّاً أخباراً عن حالات وفاة اختناقاً بالغازات السامة التي تخلّفها مسيلات الدموع. وبتنا يوميّاً نشاهد صوراً لمنازل متضرّرة للسبب نفسه، احتراقاً أو تكسيراً للنوافذ والأبواب. ولشيوع هذه الأخبار وتوثيقها بالصور ولقطات الفيديو في الإعلام الحديث (كمواقع التواصل الاجتماعي) يصبح من الصعب دحضها أو تكذيبها أو ادعاء فبركتها.
هناك مشكلةٌ كبرى إذاً، وهناك معاناةٌ يوميّةٌ واسعةٌ لعشرات الآلاف من المواطنين في عشرات المناطق والقرى. وإحدى الظواهر المستجدة وجود طلبٍ كبيرٍ على شبابيك الألمنيوم لتحصين النوافذ، واستبدال الأبواب الخشبية بأخرى من الألمنيوم أو الحديد المطاوع. وهو عبء اقتصادي إضافي على كاهل هذه الأسر حين يُضاف على موازنتها الشهرية «بند» تحصين المنزل من مسيلات الدموع.
لم تقتصر الأضرار على تكسير النوافذ والأبواب، بل تعدّى ذلك إلى تكسير زجاج السيارات المتوقفة أمام البيوت. وهناك شكاوى يوميّة تصل من مختلف المناطق المحسوبة على المعارضة بهذا الخصوص، تكتفي الصحافة بنشر بعضها كعيّناتٍ متفرقةٍ ليس إلا.
وأنا أكتب هذا المقال تلقيت اتصالاً من أحد المواطنين من «الغُرَيفة»، وهي قريةٌ صغيرةٌ تقع على طرف العاصمة الجنوبي، ولا تبعد عن شارع المعارض أو المنطقة الدبلوماسية بأكثر من كيلومتر واحد أو كيلومترين.
من مميزات الجيل الجديد من مسيلات الدموع أن رائحته تعلق بالجو لأكثر من 12 ساعة، كما يحدث في منازلنا أو حتى في مسجد قريتنا التاريخي (ناصر الدين). واكتشفنا أنها أقوى تأثيراً من العود الكمبودي لأنها تعلق بالملابس أكثر من 24 ساعة.
بصدقٍ… ألم يحن الوقت لإيقاف استخدام مسيلات الدموع الخانقة ضد المواطنين في عواصم الربيع العربي؟