منصور الجمري
عندما كنا صغاراً كانت بعض الأسئلة تنطلق بعفوية، وأحد تلك الأسئلة التي أتذكرها كان عن الجَنّة: «هل يحدث عراك في الجنة؟»، وذلك لأن كلمة «الجنة» تحمل في مضامينها مخيّلة السعادة بصورتها الأكمل، وتاريخ البحرين بمخيلة مشابهة، وذلك لارتباط تاريخ بلادنا باسم «دلمون»، وهو الاسم الذي ذكر في الكتابات السومرية في مهد الحضارة الإنسانية قبل آلاف السنين، إذ كان السومريون يعتبرون البحرين جنة الخلد، وأنها الأرض التي تشرق منها الشمس، وأنها أرض طاهرة ولذلك كانوا يجلبون أمواتهم لدفنهم في البحرين (تلال عالي) لاعتقادهم بأنّ بلادنا هي الفردوس الذي ينعم فيه حتى الموتى.
وعلى أساس هذه المخيلة، ربما يحق لنا أن نسأل ماذا كان سيقول السومريون لو جاءوا بيننا اليوم وشاهدوا ما نحن عليه، فلربما حصلوا على جواب غير صحيح وهو أن هناك من يتعارك ويتنازع ويختلف في الجنة، وقد يراجعوا الصفات التي أطلقوها على بلادنا، وربما يلغونها من قاموسهم.
على أنه لا داعي لأن تتغير صورة دلمون من الأذهان، فحاليّاً لدينا الكثير من التقارير والتوصيات والجهود التي تُبذل باتجاه تبريد الأجواء وتمهيد الأجواء نحو مخرج قائم على الحوار والمصالحة، ولكن المشكلة أن لدينا أيضاً جهوداً في الاتجاه المعاكس، تدعو إلى المزيد من الممارسات غير الصحيحة التي أوصلتنا إلى وضع لا يناسب مقام بلادنا.
إن التوصيات الصادرة من كلِّ الأصدقاء المُحبّين للنظام السياسي وللشعب البحريني بكلِّ فئاته تحث على انتهاج «الحل السياسي»، ولكن يبدو لي أن التركيز حاليّاً ينصبُّ على «الحل الإجرائي» أكثر، بمعنى أن الجهود تُبذل في تعديل الإجراءات المعمول بها لدى الأجهزة الحالية وتطوير قدرات القائمين عليها فيما يتعلق بكيفية التعامل مع العوارض التي نتجت عن الأحداث، من دون ملامسة الجذور ومن دون الدخول في جوهر المشكلة. ونحن نعلم أن الإنسان إنما يتصرّف تعبيراً عما يدور في داخله، وإذا كان قلبه منعقداً على طريق لا يلتقي مع توصيات الحل السياسي فإنّ النتيجة تتجه نحو تجميد الأمور أو تمطيطها، أو حلحلتها بما لا يؤثر على واقعها الرافض للحوار الجاد والمصالحة الشاملة.
إننا قادرون على إنجاز ما تستحقه البحرين من وئام واستقرار وتنمية، وذلك من خلال الإصلاح المنفتح على واقع المشكلة. نحن قادرون على تسوية الخلافات وغرس الأمل في نفوس الجميع وتثبيت الفكرة التي تتحدث عن انتصار الجميع من خلال الالتزام بحقوق الإنسان وانتهاج ثقافة الاحترام المتبادل والتفاهم بين جميع الأطراف، وبذلك نحافظ على تراث ومسمى «دلمون».