هاني الفردان
مازال الجدل مستمراً بشأن ما يشاع عنه في الوقت الراهن تحت مسمى «حوار لمِّ شمل» ومازالت الآلة الإعلامية شبه الرسمية تعمل جاهدة من أجل خلق حالة وهمية لصورة حوار مقبل.
تحدثنا من قبل عن أن الحوار الجاد والحقيقي يجب أن يكون عبر قنوات سياسية صحيحة معلنة وبشكل رسمي، وأي حوار يشاع عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا محاولة لتضليل الرأي العام.
كثرت ردود الفعل على تلك الإشاعات عن قرب موعد انطلاق حوار وطني جديد، وتناقلت بعض وكالات الأنباء هذه الإشاعات وحوّلتها لشبه مسلَّمات، إذ نجحت الآلة شبه الرسمية في خلق الصورة الذهنية المراد خلقها للتأثير على الرأي العالمي الضاغط على السياسة البحرينية بإيجاد حوار قوي مع قوى المعارضة.
حقيقة الصورة الذهنية عن الحوار المقبل، كـ «السراب» يمكن أن يرى عبر وسائل الإعلام غير الرسمية فقط، ولكن لا يمكن الوصول إليه، وما هو إلا «وهم» مفتعل ليتناسب ومتطلبات المرحلة الراهنة والمقبلة.
في اعتقادي أن ردّات الفعل للجهات الموالية والتي نظمت اعتصاماً رافضاً للحوار، وكذلك بيان التجمع الرافض أيضاً للحوار، ما هي إلا ضمن التشويش الإعلامي شبه الرسمي الراغب في إعطاء مشهد الحوار زخماً أكبر من حيث التجاذبات السياسية، والرفض والقبول والذي من شأنه أن يزيد من درجة صدقية الطرح والتوجه للرأي العام العالمي لإيهامه بوجود حوار.
قد يسأل البعض لماذا كل هذا؟ وهل البعض بحاجة إلى هذا الزخم الإعلامي شبه الرسمي؟ الجواب بسيط جداً، وهو أن هذا البعض لا يريد أي حوار حقيقي، فلذلك سرب الى هذا المصدر أو ذاك عن وجود حوار، وأن الأمور أصبحت على ما يرام، وأن الأوضاع أصبحت تتقدم بحسب الخطة (لا أحد يعرف ما هي الخطة). مع ذلك، البعض بحاجة أيضاً إلى سراب الحوار، وذلك لما قلناه من قبل عن إيهام بعض الجهات الدولية التي قد تضغط نحو الحوار بوجود حوار جاد، وكذلك ضرب صفوف المعارضة ببعضها البعض، في ظل تزايد إشاعات قبول أو رفض الحوار، وان هناك مرئيات مقدمة من هذا الطرف أو ذاك.
مشهد الحوار في البحرين ليس بدرجة تعقيد المشهد السياسي، ويمكن لأي متتبع ولو بشكل بسيط أن يكتشف ما يحدث بسهولة، وخصوصاً الجانب المتعلق بالحملة الإعلامية لما يراد أن يطلق عليه «حوار لمّ الشمل»، وهذه الحملة أصبحت مكشوفة وحتى من سرّبها فضح عدم صدقية الموضوع بنفسه.
ما نحن فيه هو حوار على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وما يحدث هو صراخ سياسي عبر بيانات وهو نوع من «الحوار الهلامي»، على أمل أن تدخل تيارات «المعارضة» وتيارات «معارضة المعارضة» في إشغال المشهد الخرافي، الذي يأمل البعض أن يصوره وكأنه «صراع طائفي عمره 1433 سنة هجرية، وان مملكة البحرين لا تقدر على حله لوحدها»، وخصوصاً ان جميع هؤلاء يرفضون الحوار.
البعض لديه مخيلة أوسع، ويطرح أن الدولة بريئة جداً، بل ومهضوم حقها، فهي تتعب جداً لإقناع جميع مكونات المجتمع الشيعية والسنية والبهائية واليهودية والمسيحية (ونحو 15 مذهبا وكنيسة داخل المسيحية) والبوذية والهندوسية والسيخية والزرادشتية بايقاف الخلاف فيما بينهم والتفاهم، ولكن المشكلة ان هذه المكونات لم تقتنع بعد ولم تتفق فيما بينها على الحوار، وكان الله غفوراً رحيماً.