منصور الجمري
نقرأ كلَّ يوم تقريراً أو خبراً من المحاكم عن القضايا التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وكلُّ قضية تتفرع إلى جلسات ودرجات، وكلُّ تصريح يصدر يُعقِّد الفهم أكثر، بحيث أصبحت الأخبار تمرُّ على العين من دون أن يفهمها المرء، وحتى المحامون يختلفون في فهم كلِّ قرار أو حكم يصدر عن نيابة عامّة أو محكمة، ووصلنا حاليّاً إلى مرحلة «الإعياء السياسي»، بحيث لم تعُدْ الأخبار تعني شيئاً لكثير من الناس.
وهذا النوع من الإعياء ليس هو الوحيد على الساحة حاليّاً، إذ إنّ هناك تصريحات وتسريبات عن حوارات ومفاوضات وتوقيع مواثيق شرف ومواثيق مصالحات وردود متشابكة إلكترونياً وورقياً، وتصريحات تحذيرية وتهديد مستتر أو علني لهذا أو ذاك، وهذه أيضاَ بدأت تصل إلى مرحلة إعياء مشابهة، ولكثرتها فهي لا تؤدّي إلى نتيجة إيجابية، وأصبح الكثير أيضاً يتجاهلها أو يتندّر بها.
والمشكلة في أنّ الوصول إلى هذه الحالة يفقد التفاعل المطلوب فيما لو كانت هناك خطوة حقيقية يوماً ما، وهذه الخطوة قد تحتاج إلى تجاوب مناسب، إلا أنها قد تضيع؛ لأنّ الإعياء الذي نشهده حاليّاً يضيع الفرص على إنجاح أيّة مبادرة جادة فيما لو تحركت في المستقبل.
حالياً هناك محاولات صغيرة غير ذات أثر يذكر، وهي تجرى على الهامش لتحريك المياه الراكدة، ولكنها تبقى من دون نتيجة، ولاسيما أنّ عدداً من الخطوات أو التصريحات الإيجابية تصاحبها خطوات ارتدادية تعيد الوضع إلى جموده.
لقد رحّبَت القوى المُحبّة لخير الجميع بأيّة مبادرة لكسر حالة الجمود الحاليّة، ولمناقشة القضايا السياسية التي نشأ كثير منها بسبب انعدام الثقة بين الأطراف المعنية، ونحن بحاجة إلى بناء جسور تربط بين القلوب وتخلق بيئة مؤاتية لتسوية القضايا العالقة والتي ثبت استحالة حلها عبر القمع والحلول الأمنيّة.
إنّ المحبّين لبلادهم لا يودّون استمرار الوضع على ما هو عليه، ولا يودّون استمرار رؤية نقاط التفتيش والحواجز الأمنيّة، وكثرة المصادمات بين قوّات الأمن والمحتجّين، وانتشار الغازات المسيلة للدموع؛ وللخروج من ذلك فإننا بحاجة إلى الخروج من حالة الإعياء السياسي.