منصور الجمري
نقرأ ونسمع حاليّاً الكثير من التصريحات المتناقضة، بعضها يتحدث عن حوار مستقبلي محتمل، وآخر يتحدث عن مصالحة محتملة، وآخر عن الاستمرار فيما نحن فيه أو ربما العودة إلى التعاطي مع الأمور وكأنه لا يوجد شيء اسمه «تقرير تقصّي الحقائق»، وكأنه لا توجد نتائج أو توصيات لهذا التقرير الذي صدر بإشراف خمسة من المفوضين الدوليين، ترَأسهم محمود شريف بسيوني. وفي المحصلة فإنّ النتيجة هي المماطلة التي لا تنفع بلادنا في شيء.
وبمناسبة الحديث عن المماطلة، فإننا حاليا في الأسبوع الثاني من شهر مارس/ آذار، وفي كل عام يطلق البعض في أميركا على هذه الفترة الزمنية «الأسبوع الوطني للمماطلة»، وتُخصَّص الكثير من النقاشات عن أسباب المماطلة المضرة وكيفية معالجتها، كما يخصص لكيفية التفنن في المماطلة في أمور قد لا تكون مضرة، ويختلط الجد بالهزل. وأعتقد أننا لا نريد أن ننافس الآخرين في كيفية المماطلة، لأن الموضوع لا يحتمل ذلك.
المماطلون قد يرددون «سنفعل ذلك في وقت لاحق»، أو «سنفعل ذلك عندما تتلاءم الظروف»، أو أية أعذار مشابهة لذلك. وهناك أسباب بسيطة للمماطلة، إذ قد تكون المهمة صعبة على المرء أو الجماعة، فيكون المَيْل لديهم نحو تجنب الأمور الصعبة لصالح تلك التي تبدو سهلة. وقد يكون السبب في المماطلة أن المهمة تتطلب وقتاً طويلاً ويشعر المرء أنه لا يستطيع توفير الوقت، أو قد يكون السبب الافتقار إلى المعرفة أو المهارات وعليه فإنّ المرء يُحبّذ الانتظار حتى يتوافر من يُعلمه كيف يبدأ العمل وكيف يكمله على أحسن وجه. وهناك أسباب لها علاقة بمرض الملل الذي يُبتلى به أناس كثيرون، وبالتالي لا يستطيعون تنفيذ مهماتهم.
على أنّ هناك أسباباً أخرى أكثر تعقيداً للمماطلة، بعضها قد نستطيع التعرف عليه وبعضها لا يعلمه إلى الله، ومن تلك الأسباب المخاوف، أو انعدام الرؤية المستنيرة، أو انعدام الثقة بالنفس أو بالآخرين، أو التورط في موضوع أو مهمات لا تتناسب مع الأجواء أو الأشخاص، أو قد تكون النوايا غير المعلنة متناقضة مع النوايا المعلنة والأهداف المرجوة.
الأمر قد لا يهم كثيراً إذا كان يتعلق بالشخص وحياته «بل الإنسانُ على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى مَعاذيرَه» (القيامة: 14، 15)، ولكن الموضوع يختلف إذا كان يرتبط بأمّة بأكملها، وفي هذه الحال فإنّ المماطلة قد تعني ضياع جيل أو ضياع فرصة وطنية لا يمكن للبلد أن يفقدها لأن آثارها وخيمة… والمماطلة هنا تكون غير مجدية للجميع.