بقلم: اليكسي بيلكو
يذكرنا موقف واشنطن في المعركة الدبلوماسية على سوريا بعقيدة الرئيس ايزنهاور التي اعلنها في كانون الثاني 1957، والتي تنص على ان اي دولة في الشرق الاوسط يمكن لها ان تطلب العون الاقتصادي والعسكري من الولايات المتحدة اذا كانت ضحية عدوان عسكري من دولة اخرى "خاضعة للشيوعية العالمية" وبنسخة معاصرة حيث لم يبق من الشيوعية العالمية الشيء الكثير، ربما تكون العقيدة كما يلي "اي جماعة معارضة يمكن ان تستلم معونة اقتصادية ومالية وعسكرية وغيرها من الولايات المتحدة اذا كانت خاضعة لنظام لم يعد يخدم المصالح الأمريكية"
والعكس بالعكس: اذا كان اي نظام يخدم مصالح واشنطن بشكل صحيح ، فأي جماعة معارضة في خطر. وقد طبق هذا السيناريو في البحرين في ربيع 2011. وعلى اكثر احتمال سيكون هذا مصير اي جماعات معارضة في دول مثل السعودية وقطر ، وأمام مثل هذه الدول تبدو سوريا مثالا للديمقراطية. بكلمات اخرى، ان لدينا هنا قضية نموذجية من ازدواج المعايير.
ماهي اهداف السياسة الامريكية في سوريا؟
اولا – دمشق هي الحليف الاخير والوحيد لايران في المنطقة، وانهيار حكومة بشار الاسد سوف يكون ضربة شديدة لمكانتها في الشرق الاوسط الكبير. في مثل هذه الحالة، ستكون طهران محاطة جيوسياسيا بقوى معادية. وهناك شك ضئيل انه بعد تحييد سوريا، ستكون العملية العسكرية ضد ايران مسألة وقت. واخراج بشار من اللعبة سوف يسمح للولايات المتحدة ضمان هيمنتها طويلة الامد على الشرق الاوسط.
ثانيا – إذا استلم خصوم نظام بشار السلطة في سوريا، سوف يكون ذلك بالنسبة لروسيا فقدان شريكها الاستراتيجي الرئيسي في الشرق الاوسط، وهكذا سوف تكون واشنطن قادرة على دفع خصمها السياسي خارج المنطقة. (ملاحظة مني : تبدو اللعبة في اصلها معركة مع روسيا وغيرها من القوى على النفوذ)
ثالثا- بعد تحقيق النتيجة المطلوبة، سوف تحافظ واشنطن على "زخمها الثوري" وتنفذ خطة طموحة واسعة النطاق لتغيير سياسي في الشرق الاوسط.
يمكن ملاحظة تكتيكات امريكية معينة في العالم العربي. تعتمد اشنطن بشدة على حلفائها. في ليبيا كانت فرنسا وبريطانيا القوة الدافعة خلف العمليات ضد العقيد القذافي. في سوريا، تلعب فرنسا وتركيا هذا الدور اضافة الى الممالك النفطية في الخليج. ولكن الان ، وقد اثبتت سوريا انها عصية على الكسر، فإن الولايات المتحدة تأخذ المبادرة بنفسها.
النظام السوري الان تحت ضغط خارجي غير مسبوق. الكثير من منافد الاعلام الدولي تشن حملة اعلامية ضد حكومة دمشق. وقد فرض عدد من الدول بضمنها الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي عقوبات اقتصادية ضد سوريا. اضافة الى ان المعارضة السورية تستمر في استلام مساعدة مادية خارجية. وبين حين واخر هناك تقارير عن وصول شحنات اسلحة مهربة الى خصوم الاسد، وهكذا فإن الوضع اصبح يبدو مثل تدخل عسكري.
بتعبير آخر، لم تبق الا خطوة واحدة اخيرة – قرار ضد القيادة السورية يتبناه مجلس الامن -حتى يصبح سقوط الرئيس الحالي لسوريا امرا محتوما. ولكن روسيا والصين ، وفي الاذهان مأساة التجربة الليبية، يفضلان اعتراض اي محاولة لتبني مثل هذا القرار.
إن تحليل الموقف الامريكي تجاه سوريا يشير الى ان واشنطن تركز حاليا على تنظيم حملة تشويه اعلامية عالمية. يقوم مسؤولون امريكان برسم صورة باللونين الابيض والاسود مفادها: المعارضة السياسية التي تنزف دما تناشدنا الانقاذ والمجتمع الدولي مستعد لذلك. ولكن رفض روسيا الاطاحة بالنظام في دمشق يمنع حدوث هذا السيناريو.
في الحياة الواقعية ، الوضع اكثر تعقيدا. الحقيقة هي ان انشطة الجناح الراديكالي في المعارضة السورية، والذي خرج الى الشوارع اولا بشعارات شديدة الراديكالية ثم تحول الى صراع مسلح ضد جيش البلاد، هو الذي صنع هذه الكارثة التي تتبدى في سوريا. وقد دعا القادة الروس الى ممارسة الضغط على طرفي الصراع (الحكومة والمعارضة) واجبارهما على البدء في حوار وطني بناء.
ولكن على اية حال، اذا صمد نظام بشار الاسد، فهذا سيقلل من شأن المكانة الامريكية في الشرق الاوسط. وسوف تصل رسالة واضحة للعالم العربي وهي ان واشنطن لم تعد القوة المهيمنة في المنطقة، وان هناك خصوما لها يمكنهم تخريب خططها. وليس هناك شك من ان الولايات المتحدة سوف تبذل كل جهد لمنع هذا من الحدوث في المستقبل القريب، ولكن يظل السؤال: الى أي مدى سيذهب الأمريكان لتحقيق اهدافهم؟
نظريا ، لدى الولايات المتحدة عدة خيارات:
1- الاستمرار في ضغط العقوبات الاقتصادية على سوريا واقناع المزيد من الدول للانضمام الى الحصار.
2- تصعيد حملة تشويه المعلومات ضد دمشق
3- كما في ليبيا، يمكن ان يشارك في الصراع مقاتلون محليون وجماعات راديكالية مسلحة اضافة الى مرتزقة اجانب
وعلى اية حال، لدى الولايات المتحدة وحلفائها كل القدرات التقنية والمالية المطلوبة لتحقيق اهدافهم.
إذا لم تحقق هذه الاجراءات النتيجة المرغوبة ، سوف نبدأ في سماع حديث حول عمل عسكري ضد سوريا بدون تخويل مجلس الامن. على اية حال، من المستحيل توقع كيف ستتكشف الاحداث بموجب هذا السيناريو.
+++
*اليكسي بيلكو استاذ قسم السياسة الدولية بجامعة موسكو
صوت روسيا
ترجمة عشتار العراقية (خصيصا لغار عشتار)