عيسى سيار
يطل علينا سنوياً ديوان الرقابة الإدارية والمالية بتقريره العتيد عن نتائج عمليات الرقابة على وزارت الدولة والهيئات والشركات التابعة لها وتقوم الزوابع وتطلق التصريحات والخطب النارية والبالونات الهوائية من قبل نواب البرلمان لمحاسبة المخالفين والمتجاوزين والفاسدين، والتي عادةً إما أن تنتهي تلك الزاوبع في فنجان وإما في أحضان السلطة التنفيذية!
وتعلن الحكومة العهود والوعود برغبتها الصادقة في التعاون لمتابعة توصيات تقرير الديوان لعلاج التجاوزات والمخالفات.
وهذا الإعلان بالطبع عبارة عن نص جاهز ويتم إطلاقه سنوياً عندما تتسلم الحكومة التقرير العتيد ويمكنني القول انه سيكون التعهد نفسه الذي ستعلنه الحكومة السنة القادمة ولا جديد تحت الشمس.
أما صحفنا فهي تتبارى في نشر غسيل المسئولين الدسم بحسب ما تراه مناسباً وممكناً، واضعة نصب عينيها حسابات لهذا الوزير أو ذاك وذلك وفقاً لتقاطع وتجاذب وتعارض المصالح! أما المواطن الذي ضاعت أمواله فما عليه إلا أن يتحلى بالصبر، ويقتدي بسيدنا أيوب (ع) ويقول «الله المستعان»، وعليه التوجه بالشكوى لله لأن الشكوى لغير الله مذلة!
إن تقرير ديوان الرقابة العتيد كما يعلم الجميع عبارة عن تحفة فنية أو هدية رمزية تقدم من أجل التقاط الصور وإطلاق التصريحات السريعة التبخر في أجواء شمس البحرين المشرقة. فقد أصدر ديوان الرقابة منذ ما يقارب الشهرين تقريره العتيد الثامن والذي تضمن كالعادة الكثير من التجاوزات والمخالفات والتلاعب بالمال العام والذي قد يصل إلى الملايين، ولو قمنا بحساب الفاقد أي حجم الأموال التي ضاعت من خلال تلك التجاوزات والمخالفات والتزوير والتي يمكن أن تصل إلى مستوى الجرائم الجنائية في القانون البحريني فإنك قد تصاب بالصدمة وتقع مغشياً عليك! وهنا لابد لنا أن نشكر العاملين في ديوان الرقابة على مهنيتهم وإخلاصهم في العمل واكتشاف تلك المخالفات التي تصيب المواطن بالغثيان!
وهنا يتساءل المواطن بحرقة لماذا لا تتحرك أي سلطة أو هيئة أو جمعية أو لجنة أو… الخ للاستفادة من الأدلة المادية التي يقدمها ديوان الرقابة سنوياً لملاحقة الفاسدين والمخالفين؟ لماذا يتم التلاعب بالمال العام جهاراً وعلى مدار السنوات الثماني الماضية دون حسيب؟ لماذا يقف نواب الشعب موقف المتفرج، أمام تلك المخالفات والتجاوزات التي يقدمها ديوان الرقابة على طبق من ذهب؟! ولماذا لا يقوم النائب العام بتشكيل دعاوى قضائية بناء على تلك الأدلة المادية والصادرة من هيئة رسمية وهي ديوان الرقابة؟! فديوان الرقابة ليس موجوداً على كوكب زحل وإنما يستمد شرعيته من الداخل.
أليس النائب العام هو المعني بالدفاع عن الحق العام وحماية المال العام؟! ألسنا في مملكة القانون والمؤسسات؟
بعد تلك التساؤلات المشروعة، ما هو المطلوب إذاً؟ أعتقد جازماً بأن أي فعل أو إجراء ما من جهة ما يجب أن يتخذ وعلى الفور من أجل وضع توصيات تقرير الديوان الثامن وما سبقه من تقارير موضع التنفيذ، ولكن هذا الفعل لا يمكن أن نتوقعه من الجهات التنفيذية المستهدفة الأصيلة من قبل تقرير الديوان ولا نتوقع أن يقوم مجلس النواب أو النائب العام بأي فعل! فكل تلك الجهات تحتاج إلى إشارة ما لكي تتحرك، وحتى نواب الشعب والذين من المفترض ان يمثلوا الشعب ينتظرون توجيها ما، من مكان ما، لتحويل تقرير الديوان إلى النائب العام. فالمواطن أصابه اليأس وسلم أمره لخالقه وتوجه إليه بالدعاء من أجل أن يحميه ويحمي المال العام من الفاسدين وأقام العزاء على تقرير الديوان العتيد المأسوف على شبابه، حيث إنه فقد الثقة في نواب الشعب، أليس هؤلاء النواب من رفض قبلُ إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد؟!
إن المواطن يتطلع إلى انه وفي ظل التزام مملكة البحرين بما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي وقعت عليها حكومة البحرين في العام 2010، وبناء على ما ورد من نصوص واضحة في دستور العام 2002 والتي تجرم من يتلاعب بالمال العام، إلى أن يعطى ملك البلاد وبصفته رئيس الدولة وفي ضوء الصلاحيات الممنوحة له والتي نصت عليها المادة (33) من الفصل الأول من دستور 2002، الأمر إلى جهات الاختصاص لكي تقوم بتطبيق نتائج تقرير ديوان الرقابة العتيد في ظل تجاهل غريب ومريب من قبل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والنائب العام في تنفيذ نتائج ديوان الرقابة على مدى السنوات الثماني الماضية! وذلك من أجل ملاحقة المخالفين والمتجاوزين والفاسدين ومعاقبتهم واسترداد ما تم الاستيلاء عليه من المال العام وذلك بموجب المادتين (5) و(6) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. فمن يرفع الشراع؟
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.