هاني الفردان
يخيل للبعض أن أزمة المفصولين في البحرين انتهت، ويخيل للبعض أيضاً أن جميع المفصولين في القطاع العام عادوا إلى أعمالهم، وبالتأكيد فإن ذلك لم يكن إلا حديث كتب على صفحات الصحف، للبهرجة الإعلامية فقط.
أعداد كبيرة من المفصولين لم يعودوا إلى أعمالهم، وسأستشهد بحالة واحدة، لبحريني يعمل موظفاً مدنيّاً بوزارة الداخلية وليس عسكريّاً فصل بعد لجنة تحقيق بسبب مشاركته في الاحتجاجات والذهاب إلى دوار «اللؤلؤة»، لم يعد حتى الآن لوظيفته، ومن المتوقع ألا يتم إرجاعه، خاطب ديوان الخدمة المدنية ووُعد بالنظر في أمره، وما كان الوعد إلا للهروب فقط إلى الأمام من جديد في قضية لا ينفع معها الهروب، فالعالم يراقب ويشاهد كيف سيتم حل هذه القضية.
على مستوى القطاع الخاص، فحدِّث ولا حرج، قد يزعل المسئولون في وزارة العمل من حديثي هذا، لأني عندما أقول إن شركات القطاع الخاص تتلاعب بالقانون، سيخرجون علينا ويقولون نحن نراقبهم.
أين المراقبة، عندما لا يتم إرجاع المفصولين بل يتم توظيفهم من جديد؟ وهل القرار هو إرجاع المفصولين، أم توظيفهم من جديد؟
الأكثر من ذلك هو أن الشركات الخاصة، وهي شركات كبرى، وضعت شروطاً لإعادة المفصولين، وأهمها عدم المطالبة بأي حق مالي سابق، والقبول بالنقل لأية وظيفة وأي مكان، حتى لو كنت مديراً وحولت إلى عامل عادي.
البعض يعتقد أن ما يفعله هو ليذل العامل، ولكن هذه الأمر أصبح غير مجد في ظل صمود العمال حتى نيل حقوقهم كاملة، فلا مجال للتلاعب بأرزاق المواطنين، ومن كان يعتقد أنه استطاع ضرب الحركة العمالية في البحرين خلال فترة السلامة الوطنية، فقد كان واهماً، فما حدث خلق وعياً كبيراً لأن يكون الحراك العمالي أكبر وأقوى عن ذي قبل، وما نراه من وحدة عمالية في الحراك والمطالب خير دليل على فشل نظرية «الضربة الموجعة» للحيلولة دون تكرار ما حدث، متناسياً أيضاً مفهوم «الضربة إللي ما تكسر تقوي».
ما يثير الانتباه في القضية كلها خروج متمصلحين خصوصاً من بعض النقابيين المنافقين الذين تلونوا بكل الألوان للصعود على ظهور الجميع، فتراهم قادوا المسيرات في فترة الاحتجاجات، وصعدوا المنصات وطالبوا بما طالبوا من إسقاطات، ومع أول تغيير في الجو السياسي تبدل لونهم فساهموا في لجان التحقيق، وشاركوا في فصل العمال، وحرضوا على إقصاء نقابيين كانوا في يوم من الأيام زملاء لهم.
الحراك العمالي في البحرين عانى الكثير، لكنه ولَّد حالة جديدة ستسقط الكثير من أحداثها على واقعها المقبل، ستولد حراكاً نقابيّاً مختلفاً أراه سيكون قويّاً، لن يرضى بالتلاعبات، ولن يخضع للأمزجة.
قضية المفصولين مستمرة، وهذا لا يعني أن الحراك توقف، فهو أيضاً مستمر، واستمرار القضية، ليس فقط مع إرجاع المفصولين بل مع نيل جميع حقوقهم والعودة إلى جميع مواقعهم، لن ننسى أبداً حراس معهد البحرين للتدريب الذين نقلوا ظلماً ليكونوا حراساً للمدارس، فقط من أجل إبعادهم عن المعهد، ضمن مخطط «تطهير» المعهد من أي وجوه لا ترغب بها وزارة التربية والتعليم.
الحراك العمالي المقبل لن يكون للعودة فقط، بل سيكون لاسترجاع الحقوق ومحاكمة المسئولين الطائفيين الذين تلاعبوا في مصائر وأرزاق البشر