عبدالحميد الكميتي
لم نكد نستفيق من صدمة إعتقال النشطاء الخمسة وتقديمهم للمحاكمة أمام قضاء المحكمة الإتحادية العليا في محاكمة أثير حولها إشكالية الضمانات الأدنى لحق الدفاع وصولاً لصدور حكم بإدانتهم ولم تنتهي معاناة المواطنون الخمسة إلا بصدور مرسوم العفو من سمو رئيس الدولة – حفظه الله .
لم نكد نستفيق حتى طلعت علينا سلطات الأمن بفاجعة أخرى لا تقل فداحة عن سابقتها وهي نبأ سحب / إسقاط الجنسية الإماراتية عن سبع مواطنون من نبت هذه الأرض الطيبة حين تم إستدعاءهم الى مقار الأمن وسحب جوازات سفرهم وكافة وثائق هوياتهم لهم ولعوائلهم ثم إبلاغهم بصدور مرسوم يقضى بسحب جنسياتهم ومن ثم بات وضعهم داخل الدولة غير قانوني.
تخيل – يرعاك الله –وانت إبن لهذا البلد وجذورك ضاربة فيه بين عشية وضحاها تصبح غير مواطن ووضعك ووضع أهلك في الدولة غير قانوني ؟ . هل هناك عبث أكثر من هذا .. إنها الكوميديا السوداء حين يجسد الأمن فيها أروع أدواره.
وليس غريباً أن السبعة المغضوب عليهم يجمعهم قاسم مشترك فهم من ضمن من وقع على العريضة التي رفعت لصاحب السمو رئيس الدولة تطالب بالمزيد من الإصلاح السياسي وهي جريمة لن يغفرها الأمن وسيظل يطارد أصحابها حتى في قبورهم كما يجمع بينهم أيضاً أنهم أعضاء في جمعية الإصلاح والتوجيه الإجتماعي التي صدر قرار بجلها في وقت سابق وتم الطعن عليه أمام القضاء ولم بفصل فيه بعد.
وبغض النظر عن توجهاتهم الفكرية التي قد نختلف معها أو نتفق لكنهم في النهاية أصحاب كلمة ورأى وهم قمم علمية وثقافية في تخصصاتهم.
لكن الغريب بحق هو الرواية الرسمية التي صدرت عن الإدارة العامة لشؤون الجنسية والإقامة والمنافذ التي إتهمت السبعة " بتهديد الأمن الوطني للدولة ، وارتباطهم بمنظمات وشخصيات إقليمية ودولية مشبوهة ، وارتباط بعضهم بمنظمات وجمعيات مشبوهة مدرجة في قوائم الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب " الأمر الذى حدا بصدور مرسوم يقضى بسحب وإسقاط الجنسية الإماراتية عنهم.
والأغرب أن أحد كائن من كان لم يحالفه الحظ بالإطلاع على هذا المرسوم الذى قضى بسحب وإسقاط الجنسية الإماراتية حتى السبعة المغضوب عليهم ما يلقي بظلاله على تكهن إفتراضي مفاده أن الوضع برمته تبجح أمني سافر توسل بوجود مرسوم لا وجود له في محاولة مفضوحة لإسباغ الشرعية على تصرف غير دستوري أوقانوني أوإنساني على السواء.
فالمادة 114 من الدستور الإتحادي رسمت ألية إصدار المراسيم " لا يصدر مرسوم إلا إذا أقره مجلس الوزراء وصدق عليه رئيس الاتحاد أو المجلس الأعلى كل حسب اختصاصه، وتنشر المراسيم بعد توقيعها من رئيس الاتحاد في الجريدة الرسمية".
يضاف عليها إشتراطات أخرى للمرسوم الذى يصدر بسحب أو إسقاط الجنسية الإماراتية عن المواطنيين تكفلت بها المادة 20 من قانون الجنسية و جوازات السفر رقم 17 لسنة 1972 " تمنح جنسية الدولة بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء كما يتم إسقاط الجنسية وسحبها بالإجراء المتقدم".
ترتيباً على ذلك فإن القانون رسم ألية للمرسوم الذى يصدر بمنح أو سحب أو إسقاط الجنسية الوطنية عن المواطنيين تمر بعدة مراحل تبدأ بعرض من وزير الداخلية ثم موافقة من مجلس الوزراء ثم تصديق من رئيس الإتحاد أو المجلس الأعلى للإتحاد ثم توقيع من رئيس الإتحاد وأخيراً النشر في الجريدة الرسمية للعمل بمقتضاها . والقول بخلاف ذلك يعني إجتراء على دولة القانون وإنقضاض على الشرعية لا سيما وأن المادة 8 من الدستور الإتحادي شددت في عجزها على أنه " لا يجوز إسقاط الجنسية عن المواطن، أو سحبها منه، إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها القانون ".
وبالرجوع للقانون رقم 17 لسنة 1972 بشأن الجنسية وجوازات السفر وبوصفه قانوناً مكملاً للدستور للوقوف على ماهية " الحالات الإستثنائية " نجد أنه فرق بين مركزين هما سحب الجنسية و إسقاطها وأفرد لكل مركز حالاته فعلى حين عنيت المادة 15 بحالات إسقاط الجنسية وحصرتها في
" أ – اذا انخرط فى خدمة عسكرية لدولة اجنبية دون اذن من الدولة وكلف بترك الخدمة ورفض ذلك.
ب- إذا عمل لمصلحة دولة معادية.
ج- إذا تجنس مختاراً بجنسية دولة أجنبية ."
نجد أن المادة 16 عنيت بحالات سحب الجنسية وحصرتها في " 1- إذا أتي عملا يعد خطرا على أمن الدولة وسلامتها او شرع فى ذلك .
2-إذا تكرر الحكم عليه بجرائم مشينة .
3-إذا ظهر تزوير أو احتيال أو غش في البيانات التي استند إليها في منحة الجنسية. .
4-إذا أقام خارج الدولة بصورة مستمرة ودون مبرر مدة تزيد على أربع سنوات وإذا سحبت الجنسية عن شخص جاز سحبها بالتبعية عن زوجته وأولاده القصر".
وبعيداً عن الفضفضة النصية التي إكتنفت هذه المواد بما يبيح لجهة الإدارة التوسع في تفسيرها بشكل يتناقض مع المبدأ الدستوري الذى حصرها في " حالات إستثنائية " لا يجب التوسع فيها أو القياس عليها فإن ثمة تساؤل مهم يثور بشأن السبعة المطردون من جنة المواطنة وهو : أى من الأفعال السابق ذكرها إقترفها أحدهم حتى يجابه بهذا العقاب الأليم ؟.
إن إسقاط الجنسية أو سحبها في دول سيادة القانون ينحصر في حالة واحدة وهي إرتكاب المواطن لجريمة الخيانة العظمى أو إحدى عناصرها والوصول الى هذه القناعة ينبغي أن يتم عبر الجهاز القضائي الذى ينتهي في إطار محاكمة قانونية عادلة الى ادانة الشخص المعني ومن ثم يصدر قرار سحب أو إسقاط جنسيته . وهو مالم يحدث بصدد السبعة المواطنين فلم يوجه لأحدهم إتهام ولم يتم التحقيق معهم ولم يحالوا الى المحاكمة وبالطبع لم تصدر أحكام نهائية بحقهم.
لو أنهم حقاً ضالعون في مؤامرة ضد الوطن قدموهم للمحاكمة وحين ثبوت ادانتهم إفعلوا بهم ما تشاؤن لكن نستحلفكم بالله القدير لا تشوهوا صورة هذا البلد العظيم لا تسيئوا الى أباءنا الخالدين ولا تهينوا تاريخنا … إن الأرض التي تفصمون عنها نبتها لن تغفر لكم ولن يغفر لكم التاريخ.
موقع الجماعة العربية للديمقراطية
المصدر: مدونة المحامي والناشط الحقوقي عبد الحميد الكميتي، 17 يناير 2012.