عيسى سيار
يمكنني القول إن تشريعية النواب لها الفضل في أن تستثيرني وبالتالي تفك عقال قلمي الذي عقلته ولم أصوبه قط تجاه مجلس النواب مباشرة، لأنني وصلت إلى قناعة ربما هي القناعة نفسها التي وصل إليها معظم الشعب البحريني وهي أن مجلس نواب بصلاحيات رقابية وتشريعية ناقصة أو قاصرة في ظل وجود غرفة شورية معينة بالكامل، وبلائحة داخلية تجعل من أدوات مجلس النواب الرقابية كالاستجواب وإلزام النائب بتشكيل دعاوى قضائية وإمكانية عدم التعاون مع الحكومة، مجرد تربيت أو «طبطبة» على أكتاف السلطة التنفيذية!
في هذا المجلس اقتصر دور نواب الشعب فقط على استجداء المكرمات ومراقبة الخطوط الحمراء خشية أن يتجاوزوها فتقع على رؤوسهم الواقعة! وأعتقد أن عدداً من النواب لهم فهم خاص حول معنى الشراكة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وهي شراكة في نظرهم تقوم على أن تنصب السلطة التشريعية نفسها محامياً للسلطة التنفيذية، وهذا ما لمسته من موقف عدد من النواب خلال حوار التوافق الوطني، عندما رفضوا أن يمنح البرلمان صلاحيات تشريعية أكثر من مجلس الشورى!
لن أكون متحاملاً أو متجنياً على تشريعية النواب أو مجلس النواب بأكمله وعلى مدار العشر السنوات من عمره، إن قلت إن هذا البرلمان قد ولد من الأصل خديجاً ناقصاً. فهو لم يستطع حتى الآن أن يسحب الثقة عن أي وزير، أو حتى أن يضع فراش وزير على منصة الاستجواب! والطامة الكبرى أن في عهد هذا البرلمان المجيد لم نسمع أن مسئولاً رفعت ضده دعوى قضائية بسبب سطوته أو تلاعبه بالمال العام، على رغم الغسيل الدسم الذي يعد صيداً ثميناً، في ديوان الرقابة المالية والإدارية عن عدد من مسئولي الحكومة، وعلى مدار الثماني سنوات الماضية، وتحت سمع وبصر نواب الشعب الذين يعلمون علم اليقين أن أموال الشعب تتعرض للاعتداء جهاراً نهاراً، حيث تضع التقارير أدلة مادية في أيديهم ولكن يقتصر دور النواب فقط على إطلاق الزوابع الصوتية والبالونات بل الفقاعات الهوائية عند صدور تقرير الديوان. وبعد ذلك ينتهي التقرير في الأدراج، على رغم أنه يتوجب على نواب الشعب حماية أموال الشعب، من خلال سن التشريعات الصارمة لحمايتها.
إن تقديمي هذا ما هو إلا ردة فعل طبيعية لأي مواطن قرأ ما تناقلته الصحف المحلية بأن تشريعية النواب ترفض إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد، ولها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد. وقد برّرت تشريعية النواب رفضها إقرار القانون كالتالي: أنه بالنظر إلى رأي المستشار القانوني بمجلس النواب ورأي الجهات المختصة، تبين لتشريعية النواب أن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها البحرين لا تلزم أعضاءها بإنشاء هيئة مختصة لمكافحة الفساد…»!
وهنا أطرح تساؤلاً محورياً على تشريعية النواب بالله عليكم أخبرونا من هي الجهات المختصة التي تتكلمون بالنيابة عنها؟ وهل نصبتم أنفسكم سلطة تنفيذية أو وكيلاً عنها لكي تبرروا للسلطة التنفيذية عدم إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد يا من انتخبكم الشعب؟ أليس واجبكم إصدار التشريعات وإنشاء الهيئات واللجان المستقلة التي تراقب وتحافظ على المال العام؟ وإذا كانت القوانين المعمول بها في مملكة البحرين كما ترون تتضمن تجريم الكثير من جرائم الفساد وبالتالي يمكن الاكتفاء بتعديل القوانين القائمة في هذا الشأن، فكم سنة ستأخذون لتعديلها؟ وإذا كانت التشريعات الحالية تقوم باللازم كما ادعيتم، فلماذا لم نرَ مسئولاً يخضع قط للمحاسبة بسبب تورطه في قضية فساد؟ أين مجلسكم المجيد من قضايا الفساد وعلى رأسها التقرير الذي توصلت إليه لجنة التقصي والتحقيق في أملاك الدولة؟ وأين القوانين التي أشرتم إليها والتي تجرم الفساد في قضايا الأراضي؟ وأين القوانين مما يجري في طيران الخليج وشركة ألبا وصندوق العمل (تمكين) وغيرها من الملفات؟
أتعلمون لماذا لا يقيم الوزراء لكم وزناً؟ لأنكم بكل بساطة توفرون حماية وتغطية على ما يجري من تجاوزات، ولا داعي لأن أذكركم بأمر يهمكم فأنتم بالتأكيد تعلمونه، ألا وهو لماذا لا يقوى أي وزير كويتي على الوقوف على رجليه عندما يطلبه النواب على منصة الاستجواب؟ فـ «هناك نواب يفكون الدروازة، وعندنا نواب العازة»!.
أما بالنسبة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها مملكة البحرين بتاريخ 4 فبراير/ شباط 2010 والتي وجدت تشريعية النواب وخبيرها القانوني أنها لا تلزم الأطراف الموقعة عليها بإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، فإليكم ما يدحض ما ذهبت إليه تشريعية النواب: لقد ورد في الباب الثاني من الاتفاقية وتحت عنوان التدابير الوقائية، مادة (6) هيئة أو هيئات مكافحة الفساد والوقائية «تكفل كل دولة طرف وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، وجود هيئة أو هيئات بحسب الاقتضاء تتولى منع الفساد ومن خلال سياسات وممارسات مكافحة الفساد والوقائية ونشر ثقافة مكافحة الفساد». وهنا نتساءل وبحرقة: هل البحرين يا تشريعية النواب في ظل استشراء الفساد بين جنبات المجتمع والذي أصبح ظاهرة، ليست بحاجة إلى هيئة مستقلة لمكافحته؟ إذاً من يكافح الفساد؟ هل وزارة الداخلية؟ أم لجان حكومية تتبع للوزارات؟
هل اطلعتم على وضع البحرين المتراجع سنوياً بناءً على مقياس منظمة الشفافية العالمية بالنسبة لانتشار ظاهرة الفساد في الدول؟ وهل ما يرد في تقارير ديوان الرقابة من فساد وتجاوزات لا يستحق أن نؤسس من أجله هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد؟
وأنصح هنا مخلصاً نواب الشعب قراءة الاتفاقية بالكامل حتى يعيدوا النظر فيما إذا كانت البحرين بحاجة إلى هيئة مستقلة من عدمه، قبل أن يتخذوا قرارات لا تخدم الوطن والمواطن، حيث يتوجب على الدول التي توقّع على الاتفاقية أن تعمل على تأسيس منظومة متكاملة لمكافحة الفساد ومنها إنشاء مثل هذه الهيئة الوطنية المستقلة.
وأخيراً نتساءل: هل لجان مجلس النواب لجان نواب شعب أم نواب سلطة؟ أعتقد أن هكذا نواب هم يمثلون أنفسهم فقط، فمن يوقف أو يمنع إصدار تشريع يكافح الفساد لا يستحق أن يمثل الشعب. ومن هنا أضم صوتي إلى الكثير من المواطنين الذين يطالبون اليوم قبل الغد بحل هذا البرلمان والذي لا يستطيع حتى أن «يكش بعوضة»… فمن يرفع الشراع؟
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3421 – الخميس 19 يناير 2012م الموافق 25 صفر 1433هـ