ماذا تريد سيدي الشيخ الجليل؟
د. أمير البياتي
عذراً سيدي إن خاطبتك بالشيخ الجليل، فأنت وإن بلغت الآن الرابعة والسبعين- فالشهداء لا يموتون فأنت ماتزال سيد الشباب، بل أنت أكثر شباباً ممن هم في عشريناتهم، فعزيمتك أقوى وشجاعتك أبهى وصمودك أروع، بل إن وقوفك أمام حبل ظن البائسون أنهم سيقتلونك به كان أفضل مما توقع حتى الهائمون بك حبا!
لا نخفيك سراً فقد أهتزَّ البعضُ منّا، وخاف البعض الآخرمن أن تهتز أنت، ولكن المؤمنين أنك على حق، والعارفين بعمق إيمانك وبعد نظرك الذي هو أبعد من هذه الدنيا الفانية كانوا واثقين من أن يوم ألقك قد اقترب، وأنك كنت تفكر في الخلود فيما كان جلادوك يفكرون في يومهم، وربما في مصير أسود يريدون تحاشيه، فلبسوا أقنعة الجبناء وتستروا بعتمة الليل وخصوصية المكان ناسين من لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم ومتخيلين أن مكرهم سيغلب شجاعتك وثباتك، وأن كذابهم سيصوغ من إفتراءاته قصة لايأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها. ولكن هيهات،،، فقد مكروا وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال. فكذبهم كشفه طمعهم وباح المكان بأسماء من كان وراءهم، ونطقت الأقنعة وتبرأت ممن كان تستره لحظات الاغتيال.
لقد كنت كبيراً فكشفت صغرهم، وكنت شجاعاً فكشفت للناس جبنهم، وكنت عراقياً وعربياً ومسلماً ففضحت للناس طائفيتهم وشعوبيتهم، وكنت كريم الوجه سمح المحيا مبتسماً فبدى للناس لؤمهم وحقدهم، وكنت فصيحاً بالشهادتين فتداعى ستر إدعاءاتهم، وكنت عميقاً سارحاً في فضاءات الثقة بالمستقبل فأظهرت للملأ سطحيتهم وتفاهتهم،،، وكنت مليئاً بالزهو و العنفوان العربي وكانوا فارغين، وكنت وطنياً مخلصاً وكانوا مجموعة من التابعين الخانعين، وببساطة فقد كنت عظيماً وكانوا تافهين.
ماذا كنت تريد سيدي أكثر من دقائق التجلي تلك؟ لقد كانت دقائق معدودات لكنها قالت الكثير وكشفت الكثير وفعلت الأكثر! ماذا كنت تريد من مقطع قصير سجلته عدسة هاتف محمول أن يقول للعالم غير الذي قاله؟ لقد كسبت بتلك اللحظات المعدودات حب شعوب بأكملها، وكسبت دعوات ملايين الحجيج يوم الحج الأكبر بالرحمة والمغفرة وخير الجزاء، وسطّرت مثالاً فريداً في الثبات والايمان، واصبحت بطلاً أسطورياً وضعه التاريخ- ورغم أنف كل الاعداء بين أبطال الانسانية العظماء، وكسبت وكسبت، لكنك والأهم من كل هذا حصلت على ما سعيت له طيلة حياتك- وهو لعمري مكسب عظيم وفوز كبير، فقد كسبت الشهادة، نعم لقد حصلت على مبتغاك وجنيت ماكنت تزرع وترعى سنوات طويلة بالعمل الدؤوب والنضال الدائم! لقد فُزتَ لحظة جاءتك الدنيا فرفضتها، وجاءتك الحياة فلفظتها، وجاءتك الشهادة فهششت لها وابتسمت.
إن النصر صبر ساعة،،، وقد صبرت وانتصرت،،، ونحن نفتقد وجودك بيننا، لكن عزاؤنا أن الشهداء لا يموتون،،، وأن الراية بيد شيخ جليل آخر لايقل إيماناً ولا صلابة ولا عزماً عنك يا سيد شهداء العصر…
شبكة البصرة