البيئة الكافكاسكية
منصور الجمري
«الدورة التشريعية تأخذ سنوات، وكل شيء يسير على ما يرام في البحرين، ولا يوجد تأخير في تنفيذ أي شيء. لدينا 291 مرئية ونحو 30 توصية من تقرير بسيوني، وكل شيء يسير بصورة طبيعية، ونحن دولة القانون والمؤسسات، والوضع يسير بحسب ما تم التوافق عليه، وكل شيء تم بالتوافق، ونحن نتبع أفضل الآليات المتبعة على مستوى العالم لاستقراء إرداة الناس وتنفيذ القواسم المشتركة، ولا توجد أي مشكلة لدينا»… هذه تصريحات قد نسمع بعضاً منها (أو ما يشبهها) بين فترة وأخرى، فما هي المشكلة؟
الاستماع إلى الشروحات وقراءة التصريحات ومتابعة كيف تسير الأمور عندنا تعطيك صورة مقربة لما يطلق عليه باللغة الإنجليزية Kafkaesque وهو مصطلح مستمد من اسم الروائي الأوروبي فرانز كافكا (عاش بين 1883 و1924) الذي كتب قصصه الخيالية باللغة الألمانية، ويصف في جانب من تلك القصص كيف يمكن أن تتحول البيروقراطية والإدارة العامة إلى تنظيم منهك للبشر، أحمق في التعقيد، مربك للحياة العامة، ويشعر المرء بالترتيب المعقد والمطلوب بالضرورة في تمرير المعاملات، ويترك لديك شعوراً بالخطر الوشيك إذا لم تتم المعاملة بالطريقة المقررة، وكيف أنه في الوقت ذاته (على النقيض) لا يهم أي شيء لو لم يكن لتلك المعاملة وجود من الأساس.
في «البيئة الكافكاسكية» يبدو كل شيء غامضاً وغير ودّي، ومن الصعب جدّاً إنجاز المهمات على أي حال، فكل شيء له إجراءات ومؤسسات وقنوات ودهاليز، والوصول إلى من يؤثر في القرار يعتبر غاية قد يحتاج المرء أن يقضي كل حياته للوصول إلى موظف صغير له إمكانية أن يعطيك معلومة إضافية عن آخر المستجدات في دائرة القرار. المهم أن يتم تطبيق القانون، والقانون له إجراءات، ومن المهم جدّاً الالتزام بهذه الإجراءات، والإجراءات لها أوراق، ومن المهم جدّاً أن تملأ كل الأوراق، وهذه الأوراق لها سياق والسياق يجب أن يكون صحيحاً، ولكي يكون صحيحاً فيجب أن تتم الأمور بحسب الأصول، وهذه الأصول لها بروتوكولات، وهذه تتطلب الوقت والجهد، ولا يمكن أن نتحدث عن أمور مرة أخرى إذا تمّت، ولاسيما أن الجهد الذي بُذل لا يتوقف، وهو إذا توقف لا يمكن أن تسير الحياة، ولكي تسير الحياة فيجب أن نسير على ما تم إقراره، لأن ما يحدثه البعض من خلل يؤثر على النتيجة التي لابد أن تتحقق من أجل الصالح العام، ويجب أن نواجه أي محاولة لتشويه ما نقوم به، وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه… فنحن لسنا أفضل من الدول العريقة، وفي تلك الدول العريقة التي نشبهها في كل شيء لا يستعين نصف شعبها بدولة أجنبية، وإنما مرت بتجارب متدرجة واحتاجت إلى فترات طويلة ومئات السنين لتصل إلى ما وصلت إليه، وعلى أي حال فنحن كل شيء عندنا والحمد لله، ولا توجد مشكلة لدينا من الأساس.
أنا متأكد أنه لا يمكن أن يفهم أي شخص من الفقرة أعلاه شيئاً مهمّاً، وقد حاولت أن أفسر معنى البيئة التي نمر بها في بلادنا البحرين من خلال الدخول في أجواء «الكافكاسكية» التي تعتبر واحدة من «الإنجازات» الحالية، لأنها ترجمت الروايات الخيالية التي كتبت قبل مئة سنة على أرض الواقع
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3400 – الخميس 29 ديسمبر 2011م الموافق 04 صفر 1433هـ