تعميم مقبول لكنه منقوص كثيراً
هاني الفردان
يأتي إعلان ديوان الخدمة المدنية إصدار تعميم ملزم لجميع الجهات الحكومية الخاضعة لديوان الخدمة المدنية بإعادة جميع الموظفين الذين تم فصلهم بقرارات تأديبية على خلفية الأحداث الأخيرة وعددهم 180 موظفاً للخدمة اعتباراً من 1 يناير/ كانون الثاني 2012، مقبول كونه اعترافاً متأخراً بوجود مفصولين في القطاع العام وهو عكس ما دأب عليه الديوان والحكومة من قبل بسلسلة من النفي والرفض لأي حديث عن وجود مفصولين في القطاع العام.
يأتي هذا الإعلان المتأخر كثيراً ليس نتيجة قناعة السلطة بضرورة إرجاع المفصولين، لكنه نتيجة ضغط كبير جدّاً من الداخل والخارج، إذ لعبت التحركات الدولية دور «القشة التي قصمت ظهر البعير».
يأتي هذا الإعلان منقوصاً، أولاً في حق الموظفين المفصولين في القطاع العام، في ظل التشكيك بصحة الرقم المطروح (180) وأن الرقم يفوق ذلك بكثير، والأيام ستكون كفيلة بالكشف عن ذلك، ولعدم الثقة في الأرقام المطروحة من قبل مؤسسات القطاع العام التي دأبت على تكذيب أي رقم، حتى بلغت في مرحلة من المراحل لـ «التصفير» ونكران وجود أي مفصول.
ويأتي هذا الإعلان منقوصاً أيضاً في ظل عدم ذكره أي تفاصيل وخصوصاً تلك المتعلقة بالحقوق المالية والقانونية للمفصولين، فليس من المقبول أبداً أن يقال للمفصولين عودوا إلى أعمالكم، وتناسوا ما حدث لكم، لا ذكر للحقوق المالية والتعويضات، لا ذكر لمحاسبة المسئولين الطائفيين الذين استغلوا ما حدث لتحقيق مصالحهم الذاتية، لا ذكر لمحاسبة الموظفين الواشين والكذابين، ولا ذكر لمناصب المفصولين وكيف ستكون عودتهم إلى أعمالهم.
ليس من المقبول أبداً أن يقال للمفصولين كونوا متسامحين، فهذه حقوق لا يمكن السكوت عنها، وإلا فإن سيناريو الفصل والتسريح والإيقاف والعقاب الجماعي ولجان «التفنيش» ستعود من جديد وستتكرر مع كل أزمة وموقف.
يأتي الإعلان منقوصاً أيضاً، إذ الجهات التي شجعت على تسريح العاملين في القطاع الخاص، مسئولة أيضاً عن إرجاعهم إلى أعمالهم بكامل حقوقهم، ودون الحاجة لأي تسويات لا قانونية ولا مالية.
الدولة ملزمة بإرجاع جميع المسرحين في القطاعين العام والخاص، وكلنا يعلم لماذا هي ملزمة بذلك، ولسنا في وارد ذكرها وخصوصاً أننا ذكرناها كثيراً.
في الجانب الآخر؛ لاتزال الجهات الأمنية ترفض اعتصام المفصولين أمام ديوان الخدمة المدنية، بل أحالتهم إلى الاعتصام أمام وزارة العمل، وذلك من أجل إيهام الكثيرين بعدم وجود قضية مفصولين في الحكومة، وأن القضية محصورة فقط في القطاع الخاص.
صحيح أن التوجيهات صدرت بإرجاع المفصولين في القطاع العام إلى أعمالهم مع مطلع العام المقبل، إلا أن ذلك لن يكون كافياً وخصوصاً أن الكثير من التوجيهات سبقت ذلك، ولم ترَ النور، نتيجة مماطلة وتلاعب في صيغ القانون، ولأعذار واهية.
لا أريد أن أكون متشائماً، لكن هذا هو الواقع الذي نعيشه، لا يمكننا أن نصدق الشيء حتى نراه مفعَّلاً على أرض الواقع، وأن يعود العمال جميعاً إلى أعمالهم من دون قيد أو شرط أو انتقاص من حقهم الكامل