نزف الروح!
مريم الشروقي
تستطيع أن توقف نزيفاً مّا في جسدك، وقد يشفى الجسد من هذا النزف وقد لا يشفى، ولكن من الصعب إيقاف نزف الروح، لأنّ هذا النزف لا يمكن أن يُرى أو يُعالج أو يُلمَس بسهولة نزف الجسد.
نزيف الروح أتى من المعشوقة «البحرين» وهو نزفٌ مؤلمٌ يصل إلى عظام الجسد، ولكن دون وجود طبيب الروح حتى يوقفه، فما أن تُصاب بهذا النزف حتى تعلم بأنّ بينك وبين المعشوقة حبّاً كبيراً، حتى وإن كنت غاضباً منها أو ملفوفاً بجراحات قد سبّبتها لكَ من جرّاء جفاء أو خيانة، وفي الأخير أنتَ والمعشوقة تخسران!
هذه المعشوقة التي وضعتَ كل أحلامك الوردية والحمراء فيها، ورسمت خطّة طريق لإصلاحها، ولم تكن يوماً بخيلاً في مشاعرك اتجاهها، جشعاً من أجل مصحلتك بعيداً عن مصلحتها، بل وضعت نصب عينيك «هي» أوّلا، ومن ثمّ أنتَ والجميع ثانياً، لكنّك تجدها اليوم بخيلة عليك بالسعادة كما لم تبخل عليكَ من قبلُ، كارهة لك الألم الذي يعتصر قلبك، لكنّها واقفةٌ لا حراك حتى تأخذ بيدك من أجل اصلاح ما حدث بينكما، فأنتَ مجروح وهي ضائعة، وكلاكما في دوّامة لا تعرفان كيف تخرجان منها.
تنظر الى «البحرين» فلا تستطيع النظر بعمق اليها، مخلوطة مشاعرك بين حبٍّ عظيم وألمٍ أعظم، وتصرخ في وجهك متى ستنظر اليّ؟! والى متى هذا الهروب من النظر في وجهي؟! وأنتَ قابعٌ مكانك لا تستطيع الرد ولا تستطيع السكوت ولا حتى الصراخ في وجهها.
«معشوقتي البحرين» ذهبتُ الى شوارعها بالأمس، وكنت بين النّاس أفرح لعرسها بالعيد الوطني، وأتألّم لحالها مع غفير من أحبّوها، ولا يخفى عليكم، فالبكاء كان أسهل الطرق لإراحة الروح من النزف الذي بداخله، فلا دواء يداوي ولا طبيبُ.
ولا أعلم إن كنتُ سأهرب من هذا الحب حتى لا تتصدّع العلاقة أكثر أم سأتحدّى نزف الروح لأحاول إصلاح الشق الغزير الذي حدث بمساعدتها، إذ إنّني أرى الجميع مغتاظاً على «معشوقتي»، ولم أرَ أي محاولة لِلَملَمة جراحها أو جراحي أو جراح من أحبّها، وما هي الاّ لحظات حتى نرى هذه المعشوقة تذبل في وسط مستنقع الشد والربط.
وأعتقد بأنّها هي نفسها لا تعرف الحل المثالي لمشكلتنا، فتارة تغتاظ وتارة تواجه وتارة تتكلّم وفق أحاسيسها القديمة، وهي متذبذبة لا تريد خسارة أحد، ولا تبتغي أن تؤلم أحداً، لكنّها آلمتنا جميعاً بسكوتها وسلبيّتها.
أأُناشد… أأُطالب… أأرفض… أأُوافق… أأُيّد… لا أعرف بعد ماذا تريد منّي هذه المعشوقة، فما إن أدنو منها تبتعد، وما ان ابتعدتُ حتى دنت منّي، لأنّها موجودة داخل الروح وبين الأضلاع، ولو كنت كاتبةً للشعر، لعبّرتُ عن حبّها بكل كلمات الهيام.
ولكن كلمات الهيام اليوم لا تنفع معشوقتي، وإنّما العمل على اصلاح الوضع هو ما تريده، والعمل لا يتم بيد واحدة، بل بأيادٍ عدّة وبتضحيات مُرهقة، لأنها لن ترضي الجميع، فلو أرضت فئة بما تطرحه معشوقتي، لن ترضَى عنه فئة أخرى، وما زلتُ أنا وهي في دوّامة الحب والغضب والرفض والتخبّط