«خريطة الطريق» للخروج من الأزمة
منصور الجمري
وجهة النظر الرسمية المعروضة خارج البحرين – سواء من خلال شركات العلاقات العامة التي تعمل لصالح الحكومة أو من خلال بعض المتحدثين الرسميين – تطرح نمطاً من التصريحات من المهم أن تأخذ حيزها في إطار الحوارات الجارية حول الفترة التي نمر بها حالياً. التصريحات الرسمية يمكن تلخيصها بما يلي (المذكور ليس ترجمة حرفية وإنما قراءة في التصريحات والردود): «… لم نكن نرغب أن نسمع ما ورد في تقرير بسيوني، ولم تكن رغبتنا أن يسمع العالم ما ذكره التقرير، ولكن بما أننا نريد أن نبدأ مسيرة وطنية على فهم واضح فقد احتجنا للتقرير لفهم ما جرى منذ مطلع العام 2011 في البحرين، ومجتمعنا يمر بمحنة بسبب انقسامه (بين وجهة نظر سنية وأخرى شيعية)، ولكنه قادر على أن ينهض مرة أخرى، وان الوضع توتر بعد أن تعرضت حياة الأفراد للخطر، وبعد أن رفضت المعارضة مبادرة سمو ولي العهد في 13 مارس/ آذار 2011، ولكن الآن وبعد أن صدر تقرير بسيوني فإن مملكة البحرين قد اتخذت خطوات حتى قبل إصدار التقرير، إذ تم تخصيص صندوق لتعويض المتضررين، وستتم إعادة بناء بعض دور العبادة التي تم تهديمها أثناء استعادة الأمن، وتعدلت صلاحيات جهاز الأمن الوطني، إذ إنه أصبح الآن جهازاً للرصد من دون سلطة اعتقال، وتم تعيين مفوضين شرطة (أميركي وبريطاني) لتدريب قوات الشرطة، وتم تعيين خبير بريطاني لإصلاح القضاء، ولدينا اكثر من 290 مرئية قدمها منتدى الحوار الوطني وهي تمثل رأي الجميع وهي قيد التنفيذ حالياً تلبية لإرادة المجتمع، ونتحاور مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان من أجل التعاون الفني، وسنسمح للصليب الأحمر بزيارة السجون، وبدأنا تحقيقاً مع 20 مسئولاً أمنياً بشأن ما حدث لبعض الأشخاص أثناء الاحتجاز، وتم تشكيل لجنة وطنية لدراسة تنفيذ توصيات بسيوني، وهناك لجنة حكومية تتابع تنفيذ التوصيات، والمهم أن الحكومة استجابت لأكثر التوصيات حتى قبل صدور تقرير بسيوني… إلخ».
من الممكن أن نقرأ توصيات تقرير بسيوني وسنجد أن ما يقال رسمياً لا يناسب ما طرح في التقرير، والمقارنة بسيطة جداً، ومن بينها توصية محاسبة المسئولين (فقرة رقم 1716) وهي واضحة في معناها والمقترح حول طريقة تنفيذها، ونحن بعيدون عنها كبعد السماء عن الأرض، إضافة الى التسويف المميت لأبسط التوصيات التي تأتي في مقدمتها إعادة المفصولين، الذين لم وربما لن يعودوا، وإن عاد بعضهم فسيتم التأكد أن طبقة الإداريين وأصحاب القرار في جميع أجهزة الدولة والشركات قد تم «تطهيرها طائفياً»، وهذا المنحى لن يتم التراجع عنه حتى لو صدرت عشرة تقارير أخرى عن بسيوني أو غير بسيوني.
أما بالنسبة لمبادرة سمو ولي العهد فهي تطرح فقط في الأوساط الخارجية لإحراج المعارضة (التي ترفض كل شيء دائماً وأبداً)… ولكن على واقع الأرض فإن مبادرة ولي العهد لم تعد مطروحة حالياً من الجانب الرسمي. ولذلك، فإن حملة التصريحات الرسمية يبدو أنها تسعى لكسب ثقة الرأي العام العالمي، في الوقت الذي كان المفترض من تقرير بسيوني أن يكون نقطة انطلاق لكسب ثقة الرأي العام الداخلي.
أكرر الموقف الذي أطرحه دائماً، وهو أن المشكلة سياسية والحل الأمني لم ولن ينفع… وأن المشكلة ليست طائفية، فالسنة والشيعة وجميع طوائف الكون الموجود لها تمثيل في البحرين (حتى لو كانت بعدد أصابع اليد) عاشت وستعيش بأمن وسلام. إن المشكلة تتعلق بعدم الاستجابة لمطالب إصلاحية عادلة، وحالياً فإنه لا مناص من إجراءات تصحيحية كبيرة وسريعة وذات أثر ملموس.
إن «خريطة الطريق» للخروج من الأزمة واضحة وهي تتمثل في تنفيذ صادق وجاد لما ورد في «ميثاق العمل الوطني» الذي صوَّت عليه الشعب في فبراير/ شباط 2001، و «مبادرة ولي العهد» التي وافقت عليها جمعيات المعارضة الرئيسية في مارس 2011 (بخلاف الادعاءات الأخرى)، و «توصيات بسيوني» التي صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. إن خريطة الطريق تستوجب أيضاً إلغاء جميع القوانين التي تخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك لأن البحرين ملزمة دولياً بذلك منذ اعتمادها لهذا العهد الدولي في 2006، وذلك بحكم «قانون 56 لسنة 2006»
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3389 – الأحد 18 ديسمبر 2011م الموافق 23 محرم 1433هـ