حزب البعث العربي الاشتراكي أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
القيادة القومية
كانون أول ديسمبر 2011
بيان من القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي متابعة للاوضاع العربية
ان ما يجري في الساحة العربية من انتفاضات جماهيرية ذات طابع ثوري منذ سنة، والتي عمّت حتى الآن عدداً من الاقطار العربية، وهي مرشحة للاتساع لتعّم أقطار عربية اخرى. إن هذا الحدث الهام يعبر عن بداية النهاية لمرحلة الانظمة القطرية الديكتاتورية المتسلطة، انظمة الفساد والعمالة وقمع الحريات وامتهان كرامة الانسان العربي، ويؤسس لعهد عربي جديد تسترجع فيه الجماهير العربية زمام المبادرة لتأسيس مرحلة جادة على طريق تحقيق اهدافها في الوحدة والتحرر والتقدم .
لقد اكدت هذه الانتفاضات العربية صواب فكر البعث القائم على الايمان بدور الجماهير في التغيير الجذري والتعبير عن طموحاتها والربط الجدلي ما بين توق الامة نحو الوحدة والتحرر من الهيمنة الاجنبية، وصيانة كرامة الانسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ان البعث يدعو جماهير الامة المنتفضة وقواها الحية الى وعي واستيعاب هذا الترابط الجدلي بين الابعاد الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لانتفاضتها ذات الطابع الثوري، لان استكمال شروط نجاحها يتطلب النضال على مستويين متوازنين ومترابطين في الوقت ذاته.
– المستوى الاول ازالة وتغيير كافة مرتكزات وبناء وعقلية الانظمة الاستبدادية المنهارة، واستبدالها بالدولة الحديثة الديمقراطية ، التي تلتزم الحريات العامة ونهج التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.
– والمستوى الثاني هو مقاومة وازالة كافة اشكال التبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لقوى الغرب الاستعماري والقوى الاقليمية ، واستبدالها بتعزيز وتوطيد الانتماء للأمة العربية وقضاياها القومية المصيرية كقضية تحرير الارض العربية المغتصبة والمحتلة في فلسطين والعراق والاحواز ولواء الاسنكدرون وسبتة ومليلة، باسناد المقاومة لتعزيز صمودها والتفاف الجماهير حولها ودعمها بالمال والاعلام والمواقف السياسية وغيرها.
ان الانتفاضات العربية القائمة اليوم في اكثر من ساحة عربية تواجه الكثير من التعقيدات الاجتماعية والثقافية، خاصة بعد أن لجأت القوى المخترقة لهذه الانتفاضات، والمرتبط معظمها بالقوى الغربية والاقليمية الى تفجير النزاعات الطائفية والمذهبية والاثنية لتحويل هذه المقومات الى عوامل تخريب وتفرقة والتي قد تؤدي الى حروب أهلية لتصب في النتيجة في خدمة القوى الاستعمارية والصهيونية.
وهنا نستحضر نموذج عراق البعث الذي أمم النفط ووقف الموقف الوطني والقومي من فلسطين واستطاع ان يبني مجتمعاً موحداً بمختلف طوائفه وقومياته من خلال توحيد النسيج الاجتماعي . وتعزيز الانتماء الوطني وعدم التدخل في الخصوصيات الدينية والمذهبية، والاعتراف بالحقوق القومية للاكراد وقام بالتنمية الشاملة زراعياً وصناعياً وعلمياً وعمرانياً وبناء جيش عصري حديث.
هذا النموذج دفع بالقوى الاستعمارية والاقليمية والرجعية العربية والصهيونية الى العدوان عليه وتدميره من خلال شن حربين عالميتين، حتى لا يكون النموذج الذي يحتذى به، في وقت تسعى هذه القوى الاستعمارية الى النفاذ من خلال هذا النسيج المتعدد الالوان لتفتيت الامة، وهذا ما يجري في العراق منذ احتلاله ، وتسعى هذه القوى الاستعمارية ليكون نموذجاً سيئاً لباقي الاقطار العربية.
ان التنوع الديني والمذهبي والقومي في الوطن العربي، كما يفهمه البعث ويؤمن به، هو مصدر قوة للامة واهدافها في التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية. فعلى الجماهير العربية المنتفضة وقواها الحية ان تستوعب هذه الحقيقة، وتعمل على توظيفها من اجل انجاح انتفاضاتها وتحقيق مشروع التغيير والبناء المنشود .
من جهة اخرى يرى البعث ان انماط واشكال التدخلات الاجنبية في الانتفاضات العربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالازمة الاقتصادية الخطيرة والحادة التي تمر بها منظومة الدول الغربية، حيث أصبح العديد من دولها على شفير الانهيار الاقتصادي مما قد يولد انفجارات اجتماعية وخيمة كالتي نشهدها اليوم في اميركا والعديد من الدول الاوروبية وقد كان للمقاومة العراقية البطلة دوراً مؤثراً في التعجيل بهذا الانهيار في المعسكر الغربي، جراء صرف المبالغ الخيالية التي كلفها العدوان اضافة الى الخسائر البشرية الفادحة.
ان رفاهية الانظمة الرأسمالية تقوم على نهب ثروات الشعوب وتأمين المواد الخام بما فيها النفط والغاز وبأسعار بخسة، والاستيلاء على عوائد الدول النفطية الغنية والمودعة في بنوكها، وربط اقتصاديات هذه الدول بمصالح وهيمنة التجمعات المعولمة للاقتصاديات الغربية الكبرى.
ان الهيمنة الاقتصادية على مقدرات وثروات الاقطار العربية هي احدى المحركات الاساسية للتدخلات االاستعمارية السافرة في الانتفاضات العربية لاحتوائها، بهدف سرقة النفط ورؤوس الاموال وربط الاقطار العربية ببرامج المديونيات الدولية، وعلى جماهير الانتفاضات العربية وقواها الحية أن تعي هذه المخططات وتقاومها أيضاً وترفض اي شكل من اشكال التدخل الاجنبي بشؤونها ، وان تعتمد على قواها الذاتية ووعي ابنائها واستقلالية قرارتها.
أيها الرفاق البعثيون
يا جماهير امتنا العربية المجيدة
إن اسقاط الانظمة المستبدة وتحقيق التحول الديموقراطي انما يفتح مرحلة جديدة من الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي، نحرص في اطارها على الدفاع عن مكتسبات الشعب واهمها استعادته لحقه في حرية الفكر والمعتقد والرأي والتعبير والتنظيم التي تتيح لاكثرية الشعب وقواه الطليعية من انضاج حركة الصراع الديموقراطي السياسي والاجتماعي والقومي، ذلك لان قوى البديل الزائف سوف تواجه بعد فترة قصيرة احتجاجات متصاعدة من مختلف فئات الشعب المحبطة جراء استمرار ذات النهج القديم، وحينها سوف تسعى قوى البديل الزائف للجم حركة الجماهير.
ان الانعتاق من انظمة الاستبداد لا يؤدي تلقائياً الى تحقيق تطلعات اوسع الجماهير وآمالها، فإذا سقطت الطغم الحاكمة فإن مرتكزاتها الامنية والعسكرية والادارية لا تزال باقية. كما ان قوى الرأسمالية الطفيلية التي تراكمت ثرواتها بفعل الفساد المحمي من السلطة لا تزال باقية ولها روابطها داخل الوطن وخارجه وكان من الطبيعي ان تخلف عقود من الاستبداد بيئة متخلفة ينمو في مستنقعاتها الفكر المتخلف وأطره، ويتراجع الفكر المستنير وتضعف أطره. ووفقاً لهذه المعطيات فان اسقاط انظمة الاستبداد لا يعني نهاية المعركة ولا يعني انجاز التغيير الجذري بشكل تلقائي لمصلحة الجماهير الكادحة ووضع الوطن في المسار القومي التقدمي الصحيح، لان للتخلف الموروث والردة قوى تشكل بديلاً زائفاً لانظمة الاستبداد والتبعية، قوى مناهضة ومعوقة للثورة وللتغيير الجذري، بديلا تسعى قواه لاختزال التغيير في البنى الفوقية، بينما تحافظ على جوهر السياسات التي اعتمدتها انظمة الاستبداد. اذن فالتمسك بمكتسبات الشعب في الحرية والديموقراطية وتوعية اوسع الجماهير بحقوقها ومصالحها وبالبرنامج الصحيح في التنمية البشرية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، والتزام التوجهات القومية التحررية هو السبيل للخروج باقطارنا وامتنا من الازمة الوطنية والقومية وتحقيق اهداف الانتفاضات الشعبية العربية واهداف النضال العربي في الوحدة والحرية والاشتراكية