«الرقابة المالية» وحلمُ محاسبةِ مسئول
هاني الفردان
مر على صدور تقرير ديوان الرقابة المالية ثماني سنوات، ويأتي تقرير هذا العام في نسخته الثامنة (من العام 2003 وحتى الآن) ونحن نشهد كل عام جملة من «المفاسد» المالية والإدارية في مختلف المؤسسات الرسمية.
يأتي تقرير هذا العام بمستوى منخفض قليلاً عن الأعوام الماضية، في كم «الفضائح» الرسمية، والتلاعبات المالية والتجاوزات الإدارية، إلا أنه لا يمكن التقليل منها أبداً.
يأتي هذا التقرير ليضيف لخزينة الانتقادات العامة ملفاً جديداً، يؤكد استمرار جهات رسمية على ذات النهج من الأداء والتقصير والتخبط، وفي أحيان ليست قليلة تلاعب وفساد (عيني عينك)، ودون استحياء أو خجل أو حتى خوف من تقرير رقابي قد يكشف ذلك.
لماذا يخاف أي مسئول أو وزير من تقرير ديوان الرقابة المالية؟ وهو متأكد بأن هذا التقرير لن يكون شيئاً يذكر سوى ليوم واحد سينشر عبر الصحف، ومع كم كبير جداً من الفضائح والتجاوزات في مختلف المؤسسات من شأنها أن تضيع بعضها البعض.
لماذا سيخاف مسئول من التقرير؟ إذ ما جزمنا أنه طوال السنوات الثماني الماضية لم يُحاسب أي مسئول أو وزير على أي فساد في مؤسسته أو وزارته، ولم يُحَلْ أيٌ منهم للقضاء، مع عجز المجلس النيابي عن البحث في غمار هذه القضايا سوى في حالات بسيطة وعلى استحياء.
إذاً، لماذا يخاف المسئول؟ ولماذا يتوقف أو حتى يصلح من أداء مؤسسته؟ إذا أيقن بأن هذا التقرير كتب فقط ليضم لإخوته من التقارير السابقة في مكتبة الدولة ليكون علامة بارزة على نهج الشفافية والرقابة الإدارية والمالية، وليوزع بغلافه المخملي، وطبعته الراقية في المناسبات الوطنية والمحافل الدولية.
تقرير هذا العام لم يُشِر لشيء يثير قلق الحكومة يستوجبها المحاسبة الحقيقية، سوى إلى وزارة خالفت القانون وتجاوزت مصروفاتها بـ 4 ملايين دينار، وأخرى وظفت أجانب ممنوعٌ عليهم العمل في البحرين، فيما عيّنت أخرى أشخاصاً غير مؤهلين، وأرست وزارة مناقصة ضخمة بلا مناقصة، فيما زادت هيئة حكومية رواتب موظفيها 166 في المئة خلال عامين، وهيئة أخرى تستثمر 3 مليارات دينار من أموال الكادحين من دون إدارة مخاطر، وتدهور أوضاع مالية لهيئة إعلامية وارتفاع مديونيتها، ومجلس إدارة هيئة لم يجتمع منذ 16 شهراً.
صدق أو لا تصدق أن الفساد والتلاعب طال حتى السلطة التشريعية فالكثير من موظفي مجلسي الشورى والنواب لا تتناسب مؤهلاتهم مع وظائفهم، وأن موظفي مجلس النواب (السلطة الرقابية) يستلمون بدل عمل إضافي شهرياً رغم العطلة البرلمانية.
قائمة الفساد والتلاعب المالي والإداري طويلة جداً، لم تتسع لها صفحات تقرير ديوان الرقابة المالية، وبعض هذه التجاوزات أصبحت شبه متكررة في كل التقارير كل عام، بلا تغيير، ولا خوف.
وكما هو معتاد في كل عام ستوجه الحكومة الوزارات والمؤسسات في بيان رسمي «مكرر» إلى «تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير، وإعداد تقرير مفصل بشأنها يرفع إلى المجلس»، وكان الله غفوراً رحيماً.
أمنية… أن أرى لهذا التقرير دوراً في إسقاط وزير أو إحالة مسئول إلى النيابة العامة بتهمة التلاعب والفساد في مال العباد