في حديث عابر قبل حضور ندوة لندن
منصور الجمري
كتبت هذا المقال قبل أن أتوجه لحضور الندوة الحوارية التي دعا إليها «تشاتهام هاوس» في لندن، لمناقشة وضع البحرين ما بعد إصدار تقرير بسيوني وتفحص الطريق نحو مستقبل أفضل. بالتأكيد، وأملنا أن اللقاءات التشاورية يجب أن تنعقد داخل البحرين بأمن وأمان، وبحرية في التعبير عن الرأي، وبنفسية منفتحة على المستقبل، وبرؤى إنسانية تنظر إلى مكونات المجتمع ككل متكامل، لا فرق فيه بين هذا وذاك بسبب الانتماء الطائفي.
قبل يوم من حضوري هذا اللقاء، كنت أتحدث مع أحد المراقبين الذين نقل لي حديثاً دار بينه وبين أحد السياسيين في منطقة الخليج، إذ أشار ذلك المسئول – نقلاً عن محدّثي – إلى أن «الشيعة في البحرين يشبهون ركاب طائرة في الدرجة الثانية، طالبوا بأن يُسمح لهم بدخول الدرجة الأولى في الطائرة ولكن ما حصلوا عليه أنهم وضعوا في المؤخرة مع الشحن وسيبقون هناك زمناً طويلاً جداً». هذا التمثيل غير المريح قد يأتي بصورة عابرة ومتهكمة، ولكنه أيضاً يفسر طريقة التعامل مع الأمور على واقع الأرض. بالطبع، فإن جوابي متعدد الأوجه، وهو كما يلي:
إن إجبار ركاب طائرة على الانتقال من الدرجة الثانية في الطائرة (لو أخذنا المثال المذكور) ووضعهم في منطقة الشحن لم يحل المشكلة، فمنطقة الشحن فيها معدات وأغراض، وهذه سيستخدمها من تتم محاصرته في منطقة الشحن لإحداث إزعاج مستمر إلى زمن طويل جداً، وفي النهاية سيؤثر هذا الإزعاج على توازن الطائرة وهي تحلق في الجو، وعلى الطائرة إما أن تهبط اضطرارياً (وتبقى على الأرض بينما باقي الطائرات المنافسة تحلق عالياً)، أو تسقط الطائرة بجميع من فيها وتنتهي قصتها بصورة مأساوية، أو يتم رمي من يتواجد في الشحن إلى خارج الطائرة لكي يتم التخلص منهم. وفي كل الأحوال فإن النتيجة لن تكون مريحة لمن يتواجد في منطقة الدرجة الأولى من الطائرة.
الجواب من زاوية أخرى، هو أن هذا الفرز الطائفي، وخلق نظام «ابارتهايد» إنما هو محاولة للتغطية على قضايا كبيرة جداً، بمعنى أنه حتى لو رُمي من فُرض عليهم الانتقال إلى منطقة الشحن في الجو وتم التخلص منهم بالكامل ولم يعد لهم أي أثر… لنفترض أن هذا حدث وانتهى ذكر الطائفة غير المرغوب فيها ولم تعد في وطنها ووطن أجدادها وأن العالم كله ودول المنطقة وافقت على هذا الحل غير الإنساني، فإن المشاكل الحقيقية ستبرز لمن بقي في منطقة الدرجة الأولى. فهؤلاء سيتوجب عليهم أن يعالجوا قضايا خطيرة، من بينها مثلاً موضوع «الفساد» المستشري في كل أنحاء الطائرة، وأي محاولة منهم لإصلاح جانب من الفساد (لأن عدم إصلاحه يعني سقوط الطائرة) ستؤدي إلى «انعدام الأمن» لأن أي خطوة سيكون لها رد عنيف، وحينها لا توجد طائفة غير مرغوب فيها، كما إن الطوائف الصغيرة جداً تم تعيينهم كسفراء وممثلين لتسويق أفكار حسنة عن هذه الطائرة، وهم لا يتواجدون بداخلها.
جوابي الواقعي (خارج إطار المثال الذي طُرح أعلاه) هو أن الظلم الطائفي «الابارتهايد» تم اختلاقه وفرضه بقسوة شديدة للتغطية على مصائب كبرى، في مقدمتها الفساد المالي والإداري الذي أنهك البلاد وسرق مستقبل الأمة (بكل فئاتها من سنة وشيعة وممن تعايش مع الطائفتين الكريمتين)، وأدى هذا الفساد الخطير إلى اختلال عملية التنمية الاقتصادية واضطراب الأمن.
أعود لمثال الطائرة: فإنه إذا خشِي مَنْ بقِي في منطقة الدرجة الأولى من التطرق لهذا الموضوع (الفساد) فإن حركة طيرانها لن تستقيم في أجواء تنافسية لا ترحم من يضيّع وقته في مصائب يختلقها بنفسه لنفسه
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3385 – الأربعاء 14 ديسمبر 2011م الموافق 19 محرم 1433هـ