الحقيقة المفجعة
هاني الفردان
بعد صدور تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق، استبشر الكثيرون بأن تتحسن الأوضاع، ويبدأ البلد في السير بخطى واضحة والخروج من نفق مظلم نحو الوضوح والنور.
توقع الكثيرون أن تتخذ الدولة الكثير من الإجراءات الحاسمة لإنهاء ملفات عالقة، كانت بمثابة مآسٍ إنسانية أبرزها وأكثرها إيلاماً قضية المفصولين عن العمل، والمعتقلين.
توقع الكثيرون أن تكون قضية إرجاع المفصولين هي أولى القضايا التي ستشهد الحل، بعد صدور تقرير محمود شريف بسيوني، الذي كان واضحاً في هذه القضية منذ أن تسلم زمام الأمر واللجنة قبل خمسة أشهر، وكان دائماً ما يدعو إلى إرجاع المفصولين.
توصيات لجنة تقصي الحقائق كانت واضحة هي الأخرى، فقد أنصفت جميع المفصولين، ودعت إلى إرجاعهم الفوري إلى أعمالهم من دون أي تأخير.
ما لم يتوقعه الكثيرون أبداً، هو أن نرى بعد صدور التقرير، وكشف الحقائق، انكفاء العجلة إلى الوراء، بدلاً من سيرها إلى الأمام، وإلى التأزيم بدلاً من الحل.
ما لم يتوقعه الكثيرون هو أن تشهد البحرين من جديد حركة تسريحات وتوقيفات وعقاباً لموظفين مارسوا حقهم القانوني وعبروا عن رأيهم وتطلعاتهم، وأكد ذلك من دون شك أو جدل تقرير لجنة تقصي الحقائق.
المفاجأة المفجعة هي أن تستمر جهات رسمية في التسريح، وإيقاف موظفين عن العمل، وفرض عقوبات غير قانونية عليهم لأنهم شاركوا في مسيرة أو اعتصام.
الحقيقة المؤلمة أن نشهد تجمعاً عماليّاً كما حدث يوم الأربعاء الماضي أمام وزارة العمل، وأن يرفع فيه المفصولون من أعمالهم الخبز، في دلالة واضحة على رفضهم قطع أرزاقهم ومحاربتهم في لقمة عيشهم.
الإصلاح الحقيقي يبدأ بخطوة إلى الأمام دائماً، خطوة حقيقية يستشعر منها جدية الموقف والنوايا، وأولى هذه النوايا الحسنة إنهاء ملف المفصولين عن العمل.
ما يؤلم في هذا الملف، أن ما يحدث يشير بوضوح إلى وجود أياد خفية تلعب من وراء الكواليس تعرقل أي إجراء أو خطوة يمكن من خلالها إيجاد حلول للقضية، ما يؤلم هو أن توجيهات عاهل البلاد لا تزال عالقة، في ظل وجود عدد كبير من المسئولين يرفضون إرجاع المسرحين، وما يؤلم أن تقرير لجنة تقصي الحقائق أكد على مظلومية المسرحين، ولا يوجد من يسمع أو يستجيب.
باتت القضية تشكل فضيحة حقيقية بكل المعاني، وعلى كل الأصعدة حتى الدولية، فعلى رغم محاولة البعض اللف والدوارن وإيجاد أرقام هنا وهناك عن أعداد من عادوا إلى أعمالهم، إلا أن الحقيقة بقيت راسخة ودعمتها لجنة تقصي الحقائق.
ستبقى قضية المفصولين من أعمالهم كعظم شائك في حلق كل من يريد الالتفاف عليها وتجاوزها، لأنها ببساطة قضية من ضمن جملة قضايا عادلة لا يمكن أن تنسى بالتقادم، ولا يمكن أن تحل من دون إرجاع الحقوق إلى الجميع ومحاسبة المسيئين ومنهم المسئولون.
الفاجعة الكبرى أن تستمر التسريحات في جهات رسمية، أنيطت بها مسئولية تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، فكيف سيتم تنفيذ التوصيات، وهم لايزالون يسرِّحون.
الحقيقة المفجعة هي اتهام الآخرين بـ «تكرار أخطاء الماضي» والنأي بأنفسهم عن الاتهام ذاته، فلا يمكن في منظورهم أن يكون استمرار الفصل «انتكاسة» ولا «تكراراً لأخطاء الماضي» ولا خطوة نحو التأزيم وتعقيد الحل.
الفاجعة الكبرى والحقيقية عندما «يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم»
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3374 – السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ