انشغل الشارع البحريني خلال الفترة الماضية بكل ما يتعلق برئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق محمود شريف بسيوني، وبدأ الناس في البحث عن تفاصيل تفاصيل حياته في كل مكان، إذ أصبح في فترة من فترات تاريخ البحرين الحديث وبما لا يدع مجالاً لشك علامة لا يمكن تجاوزها دون الوقوف أمامها، ودراستها وتحليلها لمعرفة المشهد السياسي البحريني.
بسيوني انشغل وأشغل الناس بتصريحاته في الآونة الأخيرة، حتى مل الناس من سماعها لكثرة تقلباتها، وكأنها قطعة خشب وسط أمواج عاتية تتلاعب فيها يميناً وشمالاً وبحسب قوة الموجة المقبلة.
البرفيسور بسيوني وخبير الجنايات الدولية، وضع نفسه في المأزق الصعب بتصريحاته التي أكد أنه لن يكررها من قبل، ولن يتحدث مع الإعلام حتى صدور تقرير اللجنة منعاً لأي تأويل أو تفسير قد يخل بنزاهة عمل اللجنة وحياديتها، إلا أن ذلك التأكيد لم يجد له مكاناً، مع استمرار بسيوني في الحديث لوسائل الإعلام عن الوضع البحريني، والخلط بين رأيه الشخصي وما قد يحتويه التقرير من نتائج نهائية.
تصريح البرفيسور بسيوني للإذاعة الأميركية جاء متناقضاً جملة وتفصيلاً عن تصريحاته لصحيفة "اليوم السابع" المصرية، كما خلط في تصريحاته بين الآراء الشخصية سياسيا والتي استنتجها نتيجة قراءته الوضع البحريني مع نتائج الوضع الحقوقي.
الخلط بين القراءة السياسية لبسيوني والتي قد لا يتفق فيها معه باقي أعضاء اللجنة، والنتائج الحقوقية، أدى إلى إعطاء نتائج عكسية لثقة الناس بلجنة تقصي الحقائق، وما سينتج عنها لاحقاً.
الواقع يقول إن رئيس لجنة تقصي الحقائق وضع نفسه بتصريحاته في موقف محرج وصعب، لا يمكن أن يحسد عليه أبداً، ويمكن قراءة ذلك من تصريحاته المتقلبة والمتناقضة والتي تميل لليمين يوماً وللشمال في اليوم الآخر.
ما نحتاجه من لجنة تقصي الحقائق، تقرير محايد ومنصف يعكس لنا حقيقة ما حدث خلال الفترة الماضية، دون زيادة أو نقصان ودون قراءة للمشهد سياسي وتجاذباته، وخصوصاً أن اللجنة في أول حديث لها في البحرين كانت واضحة في هذا المجال عندما قالت "جئنا لنقف على حقيقة الانتهاكات التي حدثت في البحرين"، وهي إشارة وتأكيد أن مهمة اللجنة حقوقية وليست سياسية.
ربما الشارع البحريني أصبح أقل ترقباً لتقرير لجنة تقصي الحقائق، بعد اهتمام كبير به، وذلك نتيجة عدم قدرة اللجنة على ضبط إيقاع تصريحاتها والتمييز بين مواقف أعضائها السياسية، وقدرتهم على قراءة المشهد الحقوقي ورصد الانتهاكات بحيادية، يعكس رزانة التقرير.
ومع ذلك يبقى تقرير اللجنة مثيراً للجدل، في ظل تضارب التصريحات وتناقضها، ولا يمكن مع تلك التناقضات إدراك الصورة التي يمكن أن يخرج التقرير بها، وهي الميزة والحيدة الباقية والمتبقية له والتي قد تحفظ ما تبقى من ماء وجه اللجنة ذات الخبراء الدوليين، ليس فقط أمام البحرينيين بل أمام العالم بأسره.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.