فخرو: «الربيع العربي» انطلق و«الثورات المضادة» لن توقفه  قال الوزير السابق والمفكر علي فخرو إن ثورات الربيع العربي التي حدثت في الأرض العربية ليست شيئاً عابراً بل هي شيء عميقٌ، لن يقفز عليه أو يعيده إلى الوراء أحد.

وذكر فخرو في ندوةٍ استضافته فيها جمعية «وعد» بمقرها في أم الحصم مساء الأربعاء (2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) أنه يجب عدم الاعتقاد بأن قيام الثورات يجب أن يهيئ إلى سايكس بيكو، بل على العكس، لأن الزخم الروحي والفكري والثوري سيكون قادراً على أن يحمي الوطن العربي من المزيد من التقسيمات وليس العكس.

وتابع أن دواء كل ما يقال عن أن الثورات طائفية أو عرقية، واضح: هو المطالب الديمقراطية، والقبول بالتعددية الثقافية والاجتماعية من دون خوف أو خجل، لافتاً إلى أن التعاون الوثيق بين القوى الإسلامية والليبرالية مهم لتحجيم هذه الدعايات المضادة للثورات العربية.

وذكر فخرو أن «هناك الكثيرين الذين يكتبون عن تهويمات الاستعجال، لكنني أقول إن هذه الثورات العربية يجب أن تعمل بنفَسٍ طويل، فنحن لن نخرج من 15 قرناً من الاستبداد في 10 سنوات».

——————————————————————————–

ثورات أم حركات سياسية؟

وتساءل فخرو في مستهل الندوة: «هل نحن أمام ثورات أم تحركات سياسية؟»، وأجاب قائلاً: «أنا أعتقد أن الأرض العربية تموج تحت الثورات، بعضها استطاع أن يغير وبعضها في منتصف الطريق، وبعضها لم يبدأ إلى الآن، لكنه بالتأكيد في طريقه في المستقبل للثورة».

وأوضح أن «مفهوم الثورة يعني أن الأوضاع في أي بلد تكون سيئة وتزداد سوءاً إلى أن يصل الناس أنفسهم لأن يكونوا غير راضين عن شيء، وهذا ما حصل في البلدان العربية».

وأردف أن «هذا الشعور الجارف يجعل الناس يريدون تغييرات (…)، ويبدأ الكل يحلم بتغييرات (…)، إن لم يكن الآن فبعد 50 سنة، وبالتالي فالشعوب العربية، إما قامت بثورات أو في طريقها لثورات مقبلة».

وتابع «هناك شمولية كاملة للثورات في الأرض العربية، الأنظمة تأثرت، بعضهم غيّر الدساتير أو البرلمانات، وبعضهم يتكلم عن مزيد من الحرية والآخر عن إصلاح الاقتصاد، بعضهم خوفاً أو تأثراً أو استباقاً قبل أن تأتي الأمواج لشاطئه في المستقبل القريب».

——————————————————————————–

6 صفات مشتركة لثورات الربيع العربي

وعرض فخرو لست صفاتٍ قال إنها خصائص مشتركة بين جميع ثورات الربيع العربي والحركات الثورية فيها، أولاها أن «هناك انتقالاً حقيقيّاً للقطيعة مع الخوف، فهذا المجتمع العربي عبر أكثر من 1000 سنة كان يعيش الخوف، وفي اعتقادي أن هذا الشعور انتهى، فعندما تتحدث مع أية جهة ثورية يقولون: «ما عدنا نخاف، ما الحد الأعلى لما سيحصل، هل هو الموت؟ ما عدنا نخاف منه».

وأضاف أن «الإنسان عندما يتخلص من الخوف ينتقل إلى الفعل والإبداع والقدرة على العيش في نماء».

وواصل أن «القطيعة مع الخوف رافقتها قطيعة مع الماضي، نحن نريد هذه القطيعة مع ذلك التاريخ، لأنك عندما تدرك أن تاريخك مليء بمثل هذه النقاط السوداء فأنت تريد أن تبني مستقبلاً يحيّد ذلك التاريخ».

وأشار إلى أن «الصفة الأخرى المشتركة هي أن كل الحراك الثوري اتسم بكرم التضحيات، انظروا إلى عدد الضحايا الذي سقط في الوطن العربي من الموتى والمصابين والعاهات، كما أن هناك موجات إثر موجات لاتزال مستمرة للتضحيات».

وأشار فخرو إلى أن «جميع تلك الحركات تدور مطالبها حول حقوق الإنسان والديمقراطية وكل من يحاول أن يقول إنها مرتبطة ببطالة أو فساد فهو لم يعِ هدفها الأكبر، قلبها الأساسي هو حقوق الإنسان والديمقراطية، ذلك المفهوم الذي لو قالها قبل ثلاثين سنة انه سيصبح مثل شربة الماء في أفواه الناس لما صدقنا أحد، سواء، فهناك ثورات تطالب الآن بإصلاحات جزئية وأخرى كلية».

ولفت إلى أن «جميع تلك النقاط تصب في كلمة رمزية، محورها أننا «ما عدنا نقبل أن تمس كرامتنا الإنسانية»، فالكرامة الإنسانية هي لب الحياة السياسية».

وأردف «أما الصفة الخامسة، فهي محاولة الإبداع الذاتي أو التجديد فلا يستطيع أحد أن يقول إن الشباب العربي نقل تجربة هذا الشعب أو ذاك».

وواصل «هذا الإبداع نراه بالعكس ينتقل إلى الآخرين، فالذين يعتصمون في نيويورك أو في لندن وضعوا عبارات لمطالبهم كتبت باللغة العربية، وهذا دليل تأثرهم بما قام به شبابنا».

وتابع «قارنوا ذلك بالوضع من قبل سنتين، حينها كان العالم يحتقر هذه الأمة ويرى أنها تعيش على هامش العالم، فيما أصبح الآن يتحدث عن أن الشباب العربي علمنا القيم الثورية».

وأردف «أما الأمر الأخير المشترك، فكان الدور بارز الأهمية للمرأة العربية، هذه المرة المرأة العربية كان لها دور كبير في ثورات الربيع العربي، فقد كانت على استعداد لأن تموت وتضحي وأن يموت زوجها أو أبوها وتقف شامخة وتقول إن هذه تضحيات مقبولة مني، بدل أن كان دورها مقتصرا على البكاء والولولة في السابق».

وواصل «هذه الثورات العربية حققت ما حققته في 10 أشهر الماضية ورسخت مطالبها ورؤاها في نفوس الجميع… الغني والفقير المتعلم وغير المتعلم، فالتغيرات المجتمعية تبدأ أولاً بالتغيرات الفكرية والعقيدية وهذا شيء حدث، ومن شأنه أن يقرر إلى أين سيذهب الربيع العربي في المستقبل».

——————————————————————————–

المشتركات لا تلغي خصوصيات الثورات

وأكمل «لكن هناك خصوصيات لكل الثورات العربية، فمثلاً مصر قبل الثورة كان هناك حراك سياسي قديم ومستمر فيها، فهذا شيء، وإذا قارنته بسورية أو ليبيا فقد كان فيهما ركود سياسي قبل ربيع الثورات فيها».

وأردف «إذن الحراك في مصر ما قبل الثورة استطاع أن يؤثر على ما بعدها، فقد جعلت الشعب العربي فيها يخرج بالملايين من الشباب في فترة قصيرة».

وتابع «أما الخصوصية الأخرى فهي «استجابة الأنظمة»، فلا أحد يستطيع أن يقارن بين استجابة «بن علي» في تونس بين الاستجابة التي حدثت في ليبيا أو اليمن».

——————————————————————————–

هل الثورات العربية ناجحة؟

وفي هذا الصدد؛ قال فخرو «نحن مخطئون إذا أردنا أن نعطي إجابة قاطعة في هذه المرحلة عن نجاح أي من الثورات العربية من عدمها، فلننتظر أكثر، بوادر النجاح في تونس واضحة تماماً فهناك انتقلت الثورة إلى بناء مؤسساتها، مع التشديد على حاجتنا إلى الانتظار أكثر».

وأضاف «أما في مصر فالثورة على كف عفريت بسبب الانقسامات بين مختلف الفئات، لكن كما قلنا أطياف النجاح الواقعية شيء والقضايا المشتركة التي تحققت شيء آخر، فالصفات المشتركة تحققت أيّاً كانت المراحل التي ستذهب إليها الثورات التي جرت في الأرض العربية».

وطرح فخرو السؤال الآتي: «حيث تنجح الثورات هل ستنتهي إلى الحكم أم المعارضة؟»، وأجاب «في تونس القوة التي نجحت؛ هي حركة معارضة منظمة استهوت برامجها العدد الأكبر من الناس بعد أن كانت من أكثر الحركات التي سحقت من قبل النظام السابق، ولأن مجتمعها أراد تعويضها».

وشدد على أنه «حتى لو أن الحركات الثورية لم تصل إلى الحكم، فإنها ستغير مسار المعارضة في الوطن العربي تغييراً جذريّاً، فمن قبل كانت لدينا أحزاب استعراضية وقسم منها كان تحت هيمنة السلطة، لذلك يجب ألا نخاف حينما لا تصل الحركات الثورية إلى الحكم لأنها ستكون حركة معارضة قوية ومتماسكة مستقبلاً».

ولفت إلى أن «هناك قضية مهمة في المسار الثوري، وهي «الفترة الانتقالية»، وسيكون مفجعاً أن هذه الفترة الانتقالية لا يحدث تحالف بين جميع مكونات الثورة، بمختلف أيديولوجياتها، عيب أن يقول هنا أنا لا أتحالف مع هذا الإسلامي أو الليبرالي، يجب في الفترة الانتقالية أن يتوحد الجميع ثم ليختلفوا بعدها كما يشاؤون».

وقطع فخرو بأن «كل من يقبل الأهداف المرحلية؛ عليه أن يتحالف مع بعضه بعضاً، والسبب الأول هو لإبعاد الثورة المضادة من أن تنجح، وتعود الأنظمة السابقة».

وواصل «هناك قضية المحافظة على الدولة لأن الثورات المضادة لن يهمها بقاء مؤسسات الدولة لأنها كانت تعتبر نفسها هي الدولة، واستذكر هنا تصريح رئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي الذي قال فيه: «كنا ضد النظام لكننا لن نسمح أن تمس الدولة».

وأردف «كذلك فهناك نقطة أخرى، ففي الفترة الانتقالية هناك أناس كانوا في النظام السياسي ولم يكونوا ضد الناس، فلماذا أنت تبعدهم وتساوي بينهم وبين الفاسدين والمفسدين، وهذا الشيء بدأوا ينتبهون له في ليبيا، ويقولون إنهم يريدون الاستفادة من الأشخاص الذين كانوا موجودين في النظام ككفاءات ولم يكن لهم دور في الفساد».

وتابع «يجب أن تكون للفترة الانتقالية أهداف محددة إلى أن نتأكد أن الثورة تسير في مسارها الطبيعي، كما أن مسار هذه الثورات يجب ألا يظل في مسار الرغبة في الاستيلاء على السلطة بل يجب أن يبنى بناء قويّاً للمعارضة القوية في المستقبل، لأن قضية الاستيلاء على الحكم ستظل محل تنازع، لذلك يجب أن تعد الحركات الثورية نفسها لتكون معارضة قوية شريفة قادرة على لجم الأخطاء التي يمكن أن تصدر من الحكم».

——————————————————————————–

تحالفات قوى الثورة

وواصل «أنا من الذين يستغربون أنه بعد انتهاء الثورات ليس لدينا تحالف مبني بقوة، ويصبح الهم هو من يأخذ أكبر قدرٍ من الكعكة، لأنه إذا لم يحدث تحالف بعد الثورات فقد تحدث انتكاسة».

وأضاف «إذا لم تنتقل هذه التحالفات من تحالفات نضالية إلى تحالفات سياسية فيمكن أن يفتح المجال للثورات المضادة بأن تعود فهي ستظل تحاول إذا وجدت أية فرصة سانحة».

وأردف «هذه التحالفات يجب أن تكون على عدة مستويات: وطني، وعربي وعالمي».

وتابع «البعد الوطني يكمن في أهمية بناء التحالفات الوطنية، أما التحالفات على مستوى الوطن العربي كله، فسيكون ذلك أكبر ضمانة لهم بعدم الانتكاسة في المستقبل».

وقطع فخرو بأنه «سيكون من المعيب ألا يكون هناك نوع من التعاون والتناغم بين ثورات الربيع العربي، حتى إذا ما هددت هذه الثورات وجدت لها سنداً في الأرض العربية».

وحذر المفكر من أن «القوى المضادة لما جرى في الوطن العربي قوى كبيرة وقوية ولديها أسنان بالغة القوة، هناك دول لديها أموال قادرة على استعمالها ضد الثورات، وهناك قوى تستطيع أن تحرك الخارج، وهناك قوى قادرة على أن تجيش هذه الطائفة أو القبيلة أو العائلة لأن تنقلب على هذه الثورات، لذلك فمن الخطأ النظر إلى أن الأمور ستسير بسهولة».

وتابع «فاليسارية مثلاً كان تعاضد قواها في مختلف البلدان، على رغم كل قسوة الغرب سبباً في بقائها 70 عاماً صامدة، والرئيس جمال عبدالناصر لم ينجح فيما قام به لولا الشارع العربي الذي ساده ضد الغرب والرجعية».

وأكمل «أما على المستوى العالمي فيجب أن تكون هناك ارتباطات وثيقة بين هذه الثورات العربية والثورات العالمية، من يخرجون في شوارع نيويورك يجب العمل معهم، ليس من أجلنا فقط بل من أجل تقليم أظافر الخارج الذي لا يريد للتغيير أن يتم».

وأضاف «يجب ألا نظن نحن العرب أننا نستطيع أن نعيش في عالم لوحدنا، ويجب أن ندرك أنه لا بد من الحراك العالمي».

——————————————————————————–

«تهويمات سايكس بيكو»

وتحت هذا العنوان قال فخرو: «هناك تهويمات تتحدث عن «سايكس بيكو جديد» يقود ثورات الربيع العربي، أنا لست ضد هذه الفكرة، لكن هذه قضية قديمة موجودة عبر عشرات السنوات، كانت في سايكس بيكو مطلع القرن الماضي، ثم أعلنتها الصهيونية، وليست حدثاً جديداً علينا».

وأردف «نحن يجب ألا نعتقد أن قيام الثورات يجب أن يهيئ إلى سايكس بيكو، أنا أعتقد العكس، الزخم الروحي والفكري والثوري سيكون قادراً على أن يحمي الوطن العربي من المزيد من التقسيمات وليس العكس».

وتابع «دواء كل ما يقال عن أن الثورات أنها طائفية أو عرقية، واضح: المطالب الديمقراطية، وقبولنا بالتعددية الثقافية من دون خوف أو خجل، والتعاون الوثيق بين القوى الإسلامية والليبرالية مهم لتحجيم هذه الدعايات المضادة للثورات العربية».

وواصل «المعارك «الدونكيشوتية» العبثية التي حدثت بين القوى السياسية العربية ليس لها معنى، هناك مساحة مشتركة واضحة المعالم بين كل تلك القوى يجب ألا نضيعها».

——————————————————————————–

«تهويمات الاستعجال»

وذكر المفكر فخرو أن «هناك الكثيرين الذين يكتبون عن تهويمات الاستعجال، لكنني أقول إن هذه الثورات العربية يجب أن تعمل بنفسٍ طويل، نحن لن نخرج من 15 قرناً من الاستبداد في 10 سنوات».

وأكمل «هناك أناس يستعجلون لأنهم فقدوا الثقة في الإنسان العربي، لكن بعد كل ما جرى يجب أن نثق بهذا الإنسان العربي».

وأردف «هناك أناس يعتقدون أن قدرنا المحتوم أن نحكم من القوى السياسية الإسلامية وهذا كلام فارغ، قدرنا أن نحكم من القوى التي تخدم المجتمعات، سواء أكانت إسلامية أم ليبرالية».

——————————————————————————–

المال الخليجي والثورات العربية

وشدد فخرو في ختام ندوته على أهمية أن «يساعد المال الخليجي العام والخاص الثورات العربية لأن تقف على رجلها، وإلا قد تسقط بسبب قضايا اقتصادية»، مشيرا إلى أنه «إذا كان فينا خير وخاصة القطاع الخاص فعلينا أن نساعد الثورات العربية لأن تنهض باقتصاداتها التي ستواجه حتماً تحدياتٍ بسبب عدم استقرار الأوضاع لفترة من الوقت».

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3345 – الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 07 ذي الحجة 1432هـ