مراجعة ما جرى، ويجري حالياً في البحرين، يطرح سؤالاً متكرراً: هل فعلاً يمكن إصلاح الأمور؟… فالمشكلة لا تتوقف حول سردين مختلفين للأحداث، وإنما الأمر يتعدى ذلك إلى جراح عميقة جدّاً، وهناك من يعمل على زيادة الجراح وتعميقها أكثر، وتثبيت الألم، وكأن ما حدث لحدِّ الآن ليس كافياً للبعض.
وهناك من يعول على تقرير لجنة تقصّي الحقائق للخروج من الوضع الحالي، ولكن هذا الأمر، وعلى الرغم من أهميته لن يكون كافياً لحلحلة الأمور، رغم أنه قد يوفر بداية لمسيرة تصحيحية. فلكَي نطّلع على حقيقة الأمور، فإننا بحاجة إلى الشجاعة في الكشف عمّا حدث، ونحن بحاجة إلى الإرادة السياسية الصلبة، والتي من خلالها يمكن البدء بعملية تصحيحية لرأب الصدع، ولإحداث إصلاحات حقيقية تلامس جذور المشكلة (وليس عوارضها) وتسعى إلى منع تكرارها في المستقبل.
إننا أمام سلسلة طويلة من التقارير والدراسات حول ما حدث في البحرين حتى قبل أن تصدر لجنة تقصّي الحقائق تقريرها، ويمكننا أن نقضي فترات طويلة جدّاً نتحدث عمّا حدث، ولكن لا شيء سيتغير في ظل العناد والمماحكة وعدم الاعتراف بالآخر، ونحن نعلم أن الوقت ليس عاملاً لحل المشكلة الحالية، وإنما يلعب دوراً تعقيدياً، فالإرهاصات الأخيرة ضيّقت المساحة المتوافرة لأصحاب الرأي المعتدل الموجودين في الأوساط الرسمية والمجتمعية المختلفة.
هناك حاجة ماسّة إلى مَدِّ الجسور بين الجميع، ولكن لحدِّ الآن نرى أن العكس هو ما يحدث، وهذا له كلفة عالية؛ لأننا في الحقيقة لا نعرف كيف ستكون ردة فعل أولئك الذين استفادوا من احداث الشرخ الحالي، وتموضعوا بشكل يعرقل ويحبط أيَّ توجُّه إيجابي نحو مستقبل جامع لثوابت الوطن وقائم على أساس العدالة والمساواة.
إننا بحاجة إلى إرادة سياسية قوية لتجنب العنف وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم تعطيل المصالح العامة، والبدء بعملية تصالحية… وهذا ينطوي على ضرورة العمل بشكل وثيق مع جميع المخلصين لاتخاذ خطوات حاسمة نحو بيئة ديمقراطية تحقق لنا التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي