برزت منذ أحداث رمضان قبل الماضي (أغسطس/ آب 2010)، وما بعد ذلك وحتى الآن نغمة جديدة متداولة وغريبة وهي تقوم على نظرية محاسبة الأفراد ومعايرتهم من وجهة نظرهم بما حصلوا عليه من الدولة من خدمات في الصحة والتعليم، وبشكل عام البنية الأساسية.
أصبح البعض يتحدث لك ويقول، لماذا تفعل كذا وتطالب بكذا وإن الدولة هي من صرفت عليك منذ صغرك وعلمتك وأرسلتك للخارج للدراسة، ووفرت لك الرعاية الصحية والطرقات وغيرها من الخدمات؟
عبارة «على نفقة الدولة»، أصبحت منتشرة متداولة لكل من هو متهم حالياً، كيف فعلتَ ذلك وأنتَ من حصلتَ كل شيء على نفقة الدولة، لماذا تطالب بحكومة منتخبة، ودوائر عادلة وحرية ومجلس نيابي كامل الصلاحيات؟ لماذا تخرج إلى الطرقات في تظاهرات ومسيرات ضد الدولة، وهي من صرفت عليك؟
«على نفقة الدولة» تعلمت، «على نفقة الدولة» سكنت، «على نفقة الدولة» تعالجت، «على نفقة الدولة» ابتعثت، «على نفقة الدولة» حصل أخوك على سكن، «على نفقة الدولة» كان منزل أبيك من بين مشروع «الآيلة للسقوط»… والقائمة تطول.
مَنْ يُنفق على مَنْ؟ ومِنْ أين جاءت الدولة بهذه الأموال التي يقال عنها إنها تنفقها على الشعب؟ وما هي المهنة التي تمتهنها الدولة لتحصل فيها على المال ومن ثم تصرفه على شعبها لتمنّ به بعد ذلك عليه؟
مال الدولة يطلق عليه «مال عام»، وبالمختصر هو مال الشعب، من خيرات هذه الأرض التي نعيش عليها، وكل فرد في هذا الوطن يتسلم أجره كبيراً أو صغيراً، ومن إنتاج وعوائد خيرات هذه الأرض، ولا يوجد على هذه الأرض من يمنّ على أحد فيها.
ما يُصرف من خدمات في التعليم والصحة والإسكان والطرقات وغيرها، هي من الأموال العامة للشعب، وبالتالي فكل أفراد الشعب من حقهم الاستفادة من هذه الأموال والخدمات، دون أن يمنّ عليهم أحدٌ بها، فهي ليست ملكاً له، ولا ملكاً لمؤسسة أو سلطة، بل هي ملكٌ للأمة ذاتها.
الدولة عبارة عن شعب وسلطات (تشريعية، قضائية، تنفيذية) تعمل على إدارة المال العام وفقاً للدستور الذي ينص على أن «الشعب» (الأمة) مصدر السلطات. وبالمختصر المفيد فإن الدولة تعمل لدى الشعب، وظيفتها إدارة أمواله وخيرات بلاده، وعلى ذلك يتسلم كل من في الدولة، أجره على ذلك كاملاً نظير عملٍ يقوم به أو خدمةٍ يؤديها، كما يستفيد من الخدمات التي تقدمها.
فلا يحق لأحد أن يمنّ على أي فرد من أفراد هذا الشعب بما يناله من أجرٍ أو خدمات. وما نعيشه من خير فهو من خير أرضنا التي وهبها الله النعمة والثروة، وليست من خير أحد غيره سبحانه وتعالى.
أن يتعلم المواطن ويتلقى الرعاية الصحية ويستفيد من الخدمات التي تقدمها الدولة بالمال العام، لا يعني أبداً ألا يطالب بحقه، وحريته، وكرامته، وألا يطالب بالعدالة والمساواة وعدم التمييز، فكل تلك المطالب تأتي من أجل حماية المال العام أولاً وأخيراً، وحماية الدولة نفسها. فلا تمنوا علينا بمالنا
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3315 – الأربعاء 05 أكتوبر 2011م الموافق 07 ذي القعدة 1432هـ