الدول الخليجية والربيع العربي
توصف دول مجلس التعاون الخليجي بأنها دول ريعية، أي أن المصدر الرئيسي لدخل الدولة هو من ريع ثروة طبيعية، وهي هنا النفط والغاز. وتقوم الدولة بدورها بالتحكم في توزيع هذا الدخل من خلال عدة قنوات، حيث يتزاوج النفوذ في الدولة مع تملك الثروة، كما تشكل صناعة النفط القاطرة التي تقود الاقتصاد الوطني.
لكن وصف الدولة الخليجية بأنها دولة ريعية غير كافٍ وقد يكون مضللاً، فالنرويج مثلاً دولةٌ ريعيةٌ لكنها دولة إنتاجية ودولة رعاية اجتماعية ناجحة. فهناك جوانب أخرى مهمة في الدولة الريعية الخليجية، نستعرضها في هذا المقال.
——————————————————————————–
الدولة الغنائمية
هي الدولة التي تعتبر البلاد وثرواتها وما في باطنها وما عليها غنائم النخبة، وذلك يتمثل في عدم الفصل ما بين ملكية الدولة والملكية الخاصة للبعض، حيث الاستيلاء على غالبية أراضي الدولة والتصرف في موازنة الدولة والمال العام وترؤس مجالس إدارة الشركات العامة والمختلطة من قبل أفراد.
——————————————————————————–
دور النخب الحاكمة
إن النخب الحاكمة الخليجية ممتدة لمئات السنين (Dynasties)، وتمثل نخبة أصحاب الأعمال والملاك العقاريين والمناصب المهمة، نزولاً إلى المراتب المتوسطة في أجهزة الدولة. ويسيطر أفراد هذه النخب على أهم المنظمات الأهلية مثل الجمعيات والأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية والتخصصية. كما يسيطر بعض أفرد هذه الطبقة على وسائط الإعلام مثل المحطات الفضائية والصحف. وتكون عادة فوق المساءلة المالية والمدنية والجنائية، وعادة ما تحال القضايا التي تتورط فيها إلى دواوين خاصة، وتحل خارج نطاق القضاء المعتاد.
والدولة الخليجية دولة أبوية حيث يروج للرأي العام بأن الحاكم أب الشعب واجب الطاعة من قبل الرعية. وقد تكون مثل هذه الدولة مكتفية في السابق بوسائل الإغراء والحرمان، لكن ومع تطور المجتمع وإفرازه لقوى متنورة وواعية وتنظيمية لنفسها وتشكل قوى سياسية ومجتمعية معارضة، فإنها تلجأ للقمع والاعتماد على الأجهزة الأمنية.
——————————————————————————–
مفهوم المواطنة
المواطنة مفهوم حديث في دول الخليج، ويظل مفهوماً نظرياً ومحل تجاذب، بعيداً جداً عن التجسد على صعيد الواقع والممارسة. فأغلب دول الخليج كانت محميات بريطانية حتى الستينيات، وحين انتقلت إلى وضعية الاستقلال، ظلت تحمل الكثير من ملامح وبنية ما قبل الاستقلال. وكان السكان يصنفون في فئتين: أجانب ورعايا، وهو ما يهمّنا هنا. ومفهوم الرعية يفترض الخضوع والولاء للراعي، وإن لم يكن هناك نصوص عقدية واضحة توضح العلاقة بين الراعي والرعية، وحقوق وسلطة كلٍّ منهما. وفي حين لم تكن هناك دساتير قبل الاستقلال، لكننا نستطيع تشخيص هذه العلاقة من خلال الممارسة، والقائمة على مفهوم المنح للرعية وليست قائمة على حقوق واستحقاق، وذلك محصور في المجال المعيشي والوظيفي مقابل الولاء المطلق للراعي.
أما الحقوق السياسية والمدنية فهي مستبعدة، حيث اعتبرت جميع الحركات المطالبة بالإصلاحات السياسية والمشاركة السياسية كالحركات الإصلاحية في عدد من البلدان ومنذ 1938، والحركات الوطنية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، بأنها حركات تمرد جرى قمعها، ومعاقبة قياداتها وكوادرها ومحاكمتهم وسجنهم ونفيهم.
——————————————————————————–
مفهوم المواطنة في عهد الاستقلال
مع نيل الاستقلالات طرحت قضية المواطنة نفسها بقوة، وكذلك الأمر بالنسبة للجنسية. ورغم صدور قوانين الجنسية قبل الاستقلال إلا أن الجنسية لا تعني تلقائياً حقوق المواطنة. بالطبع فقد ظل مفهوم الرعية هو الطاغي حتى اليوم ويمكننا مناقشة المواطنة على عدة مستويات وهي المستوى المفاهيمي، والمستوى الحقوقي، وعلى مستوى ما تحقق في الواقع.
أولاً، على مستوى المفاهيم، هذا المستوى غامض ومتفاوت من شخص إلى شخص وتلقى قناعة واسعة أيضاً، هو أن المواطنة تعني الجنسية وما يترتب عليها من امتيازات وحقوق، التي يقدمها الحاكم كهبات ومكارم، وما تقدمها الدولة مثل الوظيفة الحكومية والأرض والسكن، وخدمات تعليمية وصحية وغيرها مجاناً، وعدم دفع أية ضرائب. وتقديم هذه الامتيازات من حصول الدولة على مداخيل متأتية من النفط، ويقوم بإعادة توزيعها بطريقة تعكس المصالح ومراكز القوى.
ثانياً، على المستوى الحقوقي، يتحدد المفهوم الحقوقي للمواطنة في الدستور والقوانين المنظمة للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودور المواطن في مؤسسات الدولة، خصوصاً التشريعية والرقابية. وهناك ثلاث دول خليجية (الكويت والبحرين والإمارات) لها دساتير قائمة، وهناك مشروع دستور في قطر اُستفتي عليه الشعب بالموافقة منذ 5 سنوات، ولكن لم يُصدِّق عليه الأمير حتى الآن. وفي السعودية هناك النظم الأساسية، أما عمان فإن لديها نظاماً أساسياً يتعلق بصلاحيات وعلاقات السلطات ببعضها البعض.
في هذا الصدد، يتم الإشارة إلى أن المواطنين سواسية أمام القانون، ولهم حق مخاطبة السلطات فرادى، ولهم حق في العمل والتعليم والتطبب والرعاية الصحية، ومن حقهم التملك والترشح والانتخاب والاستفتاء وتقلد الوظائف العامة، وممارسة بعض الحريات كالحق في التجمع والتظاهر السلمي وتشكيل الجمعيات وممارسة الشعائر الدينية.
وهناك إشارات إلى الشعب كمجموع للمواطنين، فالشعب مصدر السلطات جميعاً كما في دستور مملكة البحرين، لكن وفي جميع هذه الدساتير والأنظمة هناك تغييب للمواطن ودوره الحقيقي، وليس هناك من تأكيد على أن المواطنين هم مصدر الشرعية للحكم، أو التأكيد على حقهم في تغيير الحكومات والأنظمة والتشريعات بوسائل ديمقراطية. كما أنه ليس هناك تأكيد على حق المواطنين في كثير من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أضحت معتمدة عالمياً، وتنص عليها المواثيق العالمية لحقوق الإنسان. وكذلك عدم النص على حقوق متساوية بين الرجل والمرأة، بما فيها عدم حق المرأة في الانتخاب والترشح للمجالس النيابية والبلدية حتى وقت قريب في جميع بلدان المجلس، وعدم اكتساب أبناء المواطِنة جنسية الأم، وفي تقلُّد المناصب السيادية والقضائية في الدولة.
ثالثاً: المواطنة في الواقع الفعلي… فصِفة مواطن هي صِفة افتراضية غير متجسدة في الواقع، بل المتجسد هو الرعية من خلال سياسة الامتيازات التي تتمتع بها النخب الحاكمة. وقد بني نظام تراتبي للمواطنين من حيث السلطة والثروة والحقوق، على شكل هرم على قمته النخب الحاكمة، ثم العائلات المتحالفة وفئة التجار، ثم باقي المواطنين. وعلى أساس هذا التراتب يتم تسنُّم المناصب في الدولة، والحصول على الامتيازات والموقع الاقتصادي والاجتماعي.
أما المشكلة الثانية، فهي أن الولاء للحكم هو المعيار في تجلي المواطنة، وليس الولاء للوطن، ويظهر ذلك بشكل خاص في الأزمات التي عصفت بالكيانات الخليجية.
المشكلة الأخرى هنا هي التجنيس، حيث تتباين المشكلة من بلد لآخر، فبلدان الخليج قليلة السكان، ومع النمو الشامل بفعل النفط، تدفق على الخليج مهاجرون من المحيط العربي والإقليمي، بحيث أضحى المواطنون أقلية في بلدانهم.
مشكلة التجنيس هو أنها لا تخضع لقواعد واضحة لما يخدم البلد وتطوره، لكنها تخضع لاعتبارات عديدة ومنها الولاء، والانتماء للأجهزة أو القبيلة واعتبارات أخرى. والغالبية من هؤلاء اندمجت في المجتمع، لكن المشكلة تكمن في استخدام الأنظمة للمجنسين كفئةٍ يتم استخدامها، وتكون مضمونة الولاء في دعم الحكومة، في خلافاتها مع المطالبين بالحقوق أو التغيير.
الربيع العربي والمواطنة
تأثرت بلدان الخليج كغيرها بالربيع العربي بدرجات متفاوتة، من مظاهرات في الشوارع إلى تحركات لبعض النخب المثقفة والوطنية. وطرحت المواطنة وحقوق المواطن نفسها بقوة في الحركات الاحتجاجية التي شهدتها بلدان الخليج، وجوهر المشكلة هو أن الحركة الاحتجاجية تطرح حق المواطنين في المشاركة السياسية وما يتفرّع عنها من حقوق سياسية ومدنية واقتصادية وقضية مواطنين لا رعايا، وقضية إصلاحات عميقة في الدولة والمجتمع، وهو ما لا يبدو أن الأنظمة الخليجية مستعدة لتقبله أو أنها مقدمة عليه قريباً.
بعد العاصفة التي هبّت على الدول العربية، انخرطت بعضها في تحالف لاحتواء الربيع العربي محلياً وعربياً، مع مزيد من القمع ومصادرة الحريات، وتقديم رُشاً مادية للمواطنين كبديل عن الحقوق السياسية. وعلى النطاق العربي هناك محاولات لاحتواء التحول الثوري في تونس ومصر وتوجيه الوضع الليبي لصالحها على أمل إفشال هذا التغيير الثوري، وعودة الأمور إلى سابق عهدها. لكن الربيع حفر تأثيره عميقاً على الشعوب العربية بما فيها الخليجية، ولن تنجح أية محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3309 – الخميس 29 سبتمبر 2011م الموافق 01 ذي القعدة 1432هـ