تعيش جماهير وأقطار أمتنا العربية هذه الأيام ذكرى ثورات تموز/ يوليو، خاصة ثورتي 17 تموز في العراق الشقيق و 23 يوليو في مصر المحروسة، وهما الثورتان اللتان قامتا على مبادئ وطنية وقومية شكلت عماد انطلاقتهما، وفي مقدمة هذه المبادئ القضاء على كل أشكال الهيمنة الاستعمارية ومرتكزاتها من قوى الإقطاع والتخلف، والسعي نحو بناء الحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية.
لقد كانت الأقطار العربية، ومن بينها العراق ومصر تمر بفترات حرجة وعصيبة من تاريخها، عندما تضافرت عليها عدة مخاطر من ارتهان هذه الأقطار للإرادة الأجنبية، وانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي، واستشراء الفساد وغياب الديمقراطية والعدالة، وهي الأسباب التي قادت إلى ضعف العرب وتخلفهم وبالتالي هزيمتهم أمام العدو الصهيوني الغاصب.
في مصر شكلت ثورة 23 يوليو عام 1952 إعلاناً عن انتهاء فترة العبودية وبداية عصر مشرق في تاريخ مصر والعرب، وتجسيداً لإرادة الشعب المصري الذي التف حول قادة الثورة من الضباط الأحرار بقيادة الزعيم الراحل الخالد جمال عبدالناصر، تعبيراً عن رفض الظلم والاستعباد وغياب العدالة الاجتماعية، كما أن هذه الثورة قد حملت إلى جماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج رسالةً مفادها بأن قوة العرب تكمن في وحدتهم وتحررهم من كل أشكال الهيمنة.
فقد استطاعت هذه الثورة تحقيق الكثير من طموحات الشعب المصري بدأً بتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق بين الطبقات والاهتمام بالتعليم والثقافة، مروراً بإعادة الكرامة للفلاح والعامل المصري والقضاء على الإقطاع، وتنمية الشعور القومي، ومد يد العون والمساعدة لكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث للتحرر من الاستعمار وانتهاءً بقرار تأميم قناة السويس وعودة هذا الشريان الحيوي إلى حضن مصر العروبة ويد أبناءها الشرفاء.
إلا أن عهدي السادات ومبارك قد قضا على كل هذه المكاسب وحولا مصر إلى حالة سياسية منفصلة عن النضال العربي بل أن السادات ومبارك سعيا في الكثير من الأحيان للتآمر على مصالح مصر والأمة العربية من خلال سياستهم الاستسلامية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة ومن هنا جاءت ثورة 25 يناير الماضي في مصر العزيزة كرد تاريخي على جملة تلك التنازلات الوطنية والقومية ولترسم مستقبلاً جديداً نتطلع أن ينهض بالأمة العربية في تأدية رسالتها الخالدة.
في القطر العراقي الذي شهد تفجر ثورة 17 تموز المجيدة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي، فقد جاءت هذه الثورة تجسيداً للأهداف الوطنية والقومية، التي يمكن معها تجاوز حالة الضعف والهوان للعرب، وإخراج العراق من دائرة النفوذ الاستعماري وتحقيق استقلال الإرادة السياسية الوطنية وكسر التبعية الاقتصادية والسياسية للقوى الأجنبية.
تميزت ثورة 17 تموز عن غيرها من الثورات بكونها التجربة الرائدة التي نفذت برنامجاً وطنياً وقومياً تحريرياً حمل مقومات لنهوض العراق والأمة العربية، وجعل العراق المحرر القوي قاعدة انطلاق وتطور الأمة.
لقد جعلت هذه الثورة من الإنسان العراقي أساساً ومنطلقاً في إعادة تشكيل وبناء العراق القوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، عن طريق إعداد جيش من العلماء والمهندسين والاهتمام بالعلوم الصناعية والتكنولوجية، من أجل عراق جديد مبدعً ومنتجً للعلم والتطور في كل المجالات وعلى المستويات.
على الصعيد القومي برز القطر العراقي في ظل ثورة 17 تموز مدافعاً بارزاً وشجاعاً عن القضايا العربية، في مقدمتها قضية فلسطين والخليج العربي وحمايته من الأخطار والأطماع وكانت مواقفه القومية تعبيراً صادقاً عن قيام هذه الثورة الخالدة بواجباتها القومية، التي كانت عبارة عن مواجهة حقيقية مبدئية للمصالح غير المشروعة للقوى الغربية الاستعمارية والحركة الصهيونية العالمية، وتجاوزاً لكل المحرمات التي وضعتها هذه القوى المعادية لعرقلة تقدم ونهوض الأمة العربية.
ولأن الدولة الغربية والصهيونية العالمية قد فشلت في إخضاع العراق وتركيعه واحتوائه سياسياً، لم يبقى أمامها سوى خيار العدوان والاحتلال.
هذه الحقيقة هي التي تفسر ما تعرض له العراق من حروب وعدوان مستمر انتهى في نهاية المطاف باحتلاله عام 2003 على يد قوات الاحتلال الأمريكي بالتعاون مع النظام الإيراني وتواطؤ بعض الأنظمة العربية التي دعمت هذا الاحتلال الغاشم وقدمت له التسهيلات اللوجستية.
اليوم تحل علينا هذه الذكرى والعراق لا يزال يئن تحت حراب المحتل الأمريكي – الإيراني – والزمر العميلة، ولا زال يدفع أثماناً باهظة من دماء أبنائه ومن ثرواته وحريته، ولا زالت الفتن الطائفية والعرقية المخطط لها، تنهش في جسد العراق وتعمل على تمزيقه إلى "كنونات" وفيدراليات، طائفية وعرقية لحساب أجندات ومصالح قوى دولية وإقليمية خاصة الكيان الصهيوني والنظام الإيراني الذي صار اليوم يتحكم في المشهد العراقي بعد أن تواطأ مع المحتل الأمريكي على احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني والقومي، وقد خلت له الساحة من بعده لتدمير كل منجزات ثورة 17 تموز المجيدة.
ولا زالت "طهران" حتى يومنا هذا تلعب لعبة "المساومات" وتعقد "الصفقات" مع المحتل الأمريكي رغم كل المواجهات الظاهرية التي نراها تطفح على السطح من وقت إلى آخر، كما هو حاصل حالياً حول مسألة تمديد بقاء قوات الاحتلال واستمرار تقديم الحماية للقوى العميلة خوفاً من غضب الشعب العراقي وثورته المنتظرة، ولم يكن تسليم بعض قادة النظام الوطني السابق للزمر العميلة والإعلان عن قرار إعدامهم سوى أحد أوجه تبادل المصالح بين الطرفين جراء تلك المساومات القذرة التي تتم على حساب العراق وعلى حساب حرية شعبه واستقلاله، ولم يكن مستغرباً أو مستبعداً امتداد "منطق" و"فعل" هذه "المساومات" إلى مناطق أخرى من الأقطار العربية، بما فيها البحرين، ومحاولة الدخول على خط الحراك الشعبي السلمي والإساءة إلى المطالب المشروعة من خلال بعض التصريحات العدائية التي تصدر عن بعض رموز النظام الإيراني، والتي كان آخرها ما صدر عن المدعو "جنتي" من تصريحات استفزازية ومشينة بحق البحرين، ومحاولة توظيف التطورات والأحداث السياسية في هذا البلد لصالح أجندتها في المنطقة؟؟؟
في مرور ذكرى الثورات العربية هذه الأيام، وتزامنها مع الموجة العارمة من الثورات والانتفاضات الشعبية التي تجتاح معظم الأقطار العربية، وهو ما يؤكد وحده جوهر مطالب الجماهير العربية في الحصول على الكرامة والحرية والكرامة العادلة الاجتماعية، مهما اختلفت الظروف أو تغيرت الأوقات؟؟؟
وإذ نحيي ذكرى قيام تلك الثورات الخالدة، فأننا اليوم نعلن دعمنا الكامل لكل مطالب جماهير أماتنا العربية، ونبارك انطلاق كل الثورات والتحركات الشعبية من أجل الحرية ورفض الاستبداد، وندعو قادة وجماهير هذه الانتفاضة إلى ضرورة حماية الوحدة الوطنية والمحافظة على النسيج الوطني ضد كل محاولات تمزيقه، وفتح البواب أمام التدخلات الخارجية، ونتطلع إلى تحقيق كل المطالب العادلة والمشروعة للشعوب العربية على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تبدأ مسيرة نهوض أقطار أمتنا العربية وتعزيز ترابطها وتلاحمها مع محيطها القومي العربي، لمواجهة كل التحديات والأخطار التي تهدد المصير العربي على يد قوى الشر والظلام والعدوان في التحالف الامبريالي الأمريكي والصهيوني.
الاثنين 20 تموز 2011م التجمع القومي الديمقراطي
مملكة البحرين