عبيدلي العبيدلي
من منا في الخليج لا يعرف عائلة "شويطر" المحرقية العريقة، التي ارتبطت بها شهرة البحرين في صناعة "الحلوى والنشاب والسنبوسة"، والتي يأتي لها الخليجيون من كل حدب وصوب من أجل تذوقها، وحملها كهدايا لأهلهم وذويهم عندما يعودون إلى ديارهم. قبل أيام تحول "مجلس شويطر"، المحاط بمجموعة من "المآتم الحسينية"، التي تلثمها مجموعة أخرى من المساجد، إلى منبر وطني التقت فيه حوالي 50 شخصية من أبناء المحرق الشرفاء، كي يعلنوا على الملأ تأسيس "التجمع الأهلي من أجل الوطن". انطلاقة عفوية، بعيدة عن أية تعقيدات سياسية، أو انتماءات عقيدية، تجاوزت كل الأعراف وانبرت كي تؤسس في محافظة المحرق تجمعا يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به في المحافظات الأخرى. يحاول "التجمع الأهلي من أجل الوطن"، كما جاء في بيانه الأول، أن يستنهض "العمق التاريخي الوطني لمدينة المحرق"، ويعمل جاهدا كي يصل إلى "التعايش بين مكوناتها الاجتماعية". ويسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تصب جميعها في "العمل على تعزيز اللحمة الوطنية وتقوية النسيج الاجتماعي من خلال اللقاءات المستمرة…".
ليس جديدا على مدينة المحرق أن تكون رائدة في العمل الوطني، ولا ينبغي أن يستغرب أحد منا مبادرتها الشعبية غير الرسمية، للتصدي لموجة الطائفية البغيضة التي باتت تهدد شواطئ البحرين، وتهدم جدران المحبة التي شيدها أبناؤها بينهم على امتداد قرون طويلة. لكن الأهم من هذا وذاك، أن هذه المبادرة العفوية جاءت في وقتها، كي تلبي حاجة ماسة لها. فمن بين أسوأ الظواهر التي أفرزتها الأحداث الأخيرة، هو ذلك الاحتقان الطائفي الذي لم تشهد مثيلا له أي من مدن البحرين في تاريخها الحديث.
علينا أن نعترف أن أكبر هزيمة تكبدتها البحرين ككيان سياسي، وتجرعها المواطن البحريني كفرد في ذلك الكيان، هي نجاح من يعمل على تفتيت المجتمع البحريني من خلال تعزيز الخلافات الطائفية التي بلغت ذروتها حتى أصبحت تسود سلوك قوانا السياسية بوعي أو بدون وعي، وتخترق حيطان منازلنا بكل وقاحة، وتتسلل إلى مؤسساتنا دون أي استئذان، وتغزو مدارسنا كي تغرس أنيابها المسمومة في أذهان فلذات أكبادنا دونما خشية، وتمعن في انتشارها كي تتمكن من السيطرة على علاقاتنا دون خوف، وتهاجم أطفالنا كي تشوه الصورة الجميلة التي رسمناها في عيونهم دون تورع. حالة مأساوية كارثية باتت تأسر مكونات المجتمع البحريني، وتحوله من كتلة اجتماعية متآلفة، تحترم الاختلافات فيما بينها، إلى مجموعة من "العصابات" الطائفية المتحاربة، التي لم يعد لها من هم سوى نفي الواحدة منها للأخرى، بعد توجيه اللوم لها، وإلقاء تبعات ما جرى، ولايزال يجري اليوم في البحرين عليها.
ما يميز التجربة المحرقية التي لاتزال جنينية في حجمها، أنها جاءت بمبادرة أهلية، بعيدا عن أية وصاية من أية جمعية سياسية، او توجيه من جهة حكومية. لقد بادر أبناء المحرق من – وليسمح لي عزيزي القارئ أن أستخدم بعض الصفات الطائفية – "شيعة" و"سنة" و"هولة" و"عجم"، وتنادوا كي يكفوا عن الانصياع للظاهرة غير الحضارية التي انتشرت في شوارع وأزقة المحرق، وجسدت نفسها في إقدام مجموعة من الشباب الطائش المحقون طائفيا، على امتشاق أسلحة خفيفة من سيوف ومطاو وقضبان حديدية… إلخ، والتمترس عند مداخل مدن وقرى المحافظة، متوهمين أنهم يقومون بحمايتها، وتحقيق الأمن لأهاليها. أسوا ما في الأمر هو الانقسام الطائفي لتلك المجموعات، حتى بات "السني" يخشى من ان يسوقه قدره إلى أحد الحواجز "الشيعية" والعكس أيضا صحيح، حيث بات الهلع يسيطر على المواطن "الشيعي"، من أن يرغمه خط سيره على "الاصطدام" بأحد الحواجز "السنية".
هذه الظاهرة "المليشية" المسيئة للبحرين وأهلها وتاريخها، لم تكن مقتصرة على المحرق فحسب، لكنها عمت كل مدن البحرين وقراها، كما أنها لم تكن حالة شبابية عفوية، بل كانت هناك أيد خفية زرعتها وشجعتها وروجت لها، لأن مصالحها السياسية والاقتصادية القائمة على تمزيق البحرين، تلتقي مع مثل هذه الظواهر. من هنا يدعو المواطن المحرقي، إخوانه في القرى والمدن البحرينية الأخرى ان يحذوا حذو المحرق، فيتكرر النموذج المحرقي، ويناشد المجالس في تلك القرى والمدن، أن يبادروا إلى الانطلاق تماما كما جرى في "مسجد شويطر". فهم بذلك لا يمارسون دورهم في قطع رأس الأفعى الطائفية فحسب، وإنما يقضون على مخطط تمزيق البحرين ووأده وهو في المهد قبل أن يشب على الطوق، وتصبح مواجهته أكثر صعوبة وأغلى ثمنا.
قد تبدو الظاهرة المحرقية "صغيرة" في نظر البعض، وربما يرى البعض أن دور "مجلس شويطر" محدود مقارنة بحجم التحدي الذي يواجه البحرين اليوم، لكن دروس التاريخ تعلمنا أن مبادرات صغيرة من هذا المستوى، متى ما احتضنت، وجرى تعميمها دون أي تسييس غير ضروري لها، أو أية محاولة "انتهازية" من أجل اختطافها، سيكون تأثيرها الإيجابي عميقا. لذا يناشد المواطن البحريني أن ينظر المواطن العادي، وتنظر معه منظمات المجتمع المدني، وليس الجمعيات السياسية، إلى ما جرى في المحرق، وانطلق من "مجلس الشويطر"، ويحاولون الاستفادة منه دون استنساخه، فلكل منطقة ظروفها الخاصة، شريطة أن يجمعنا هدف وطني نبيل واحد هو "حماية البحرين من عدوها الطائفي، وتحصينها ضد فيروساته".
هناك الكثير من الإجراءات العملية التي يمكن الاستفاضة فيها، لكننا نترك الأمر متروكا لمن لديهم مجالس أو مؤسسات اجتماعية مشابهة، فهم الأكثر قدرة على استنهاض القوى الاجتماعية المحيطة بهم لمواجهة عدونا الطائفي المشترك، الذي تواجهه المحرق بنموذجها الناجح، ومجلس شويطر بانطلاقته الناجحة
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3123 – السبت 26 مارس 2011م الموافق 21 ربيع الثاني 1432هـ