أين أميركا من العنف ضد المتظاهرين العراقيين؟
د/عمران الكبيسي
بعد عشر سنوات من الفوضى الخلاقة الأميركية، ولعبتها القذرة في العراق كانت حصيلة ديمقراطية الاحتلال، وحرية الشرق الأوسط الجديد، بعد كل الكوارث والمآسي، استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين العراقيين المسالمين الذين يطالبون بالإصلاح الاقتصادي والسياسي، ومحاربة الفساد، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا قتلى وجرحى. فأين العيون الأميركية من استخدام العنف في حكومة تم إخراجها وتشكيلها بطريقتها الخاصة؟ أم أن عيون أميركا مفتوحة على أناس ومغمضة عن آخرين من صنائعها؟ ألم يكن جيشها موجودا لماذا لم يحم المتظاهرين؟ وأين العالم من حولها مما حدث ويحدث؟
لا أحد يستطيع أن يشكك في سلمية التظاهرات العراقية في يوم الغضب العراقي 25 فبراير، العالم شاهدها في نقل حي للفضائيات المحايدة والمعادية، لم تكن التظاهرة مذهبية، ولا حزبية، ولا عنصرية، ولا فئوية. ولم نر هتافات بإسقاط النظام، ولم نر المتظاهرين يحملون عصيا ولا سيوفا وسكاكين، ولا أحرقوا مكاتب ومقرات، ولم يدعوا الجيش والشرطة للتمرد، ولم يحملوا صور صدام، ولا شعارات بعثية، وما حملوا صور بن لادن ولا الظواهري كما كان رئيس الوزراء يدعي. كانوا شبابا ذكورا وإناثا، لا يملكون ثمن ما يساعدهم على كتابة لافتات قماش فاستخدموا الورق، وسلاحهم أصواتهم، يلوحون بقبضات أيديهم، ولا شيء غير ذلك.
يا إعلام الغرب والشرق، يا هيئة الأمم المتحدة، يا منظمات السلام وحقوق الإنسان في كل العالم، ألم تسمعوا رئيس الوزراء العراقي المنتخب بالوصفة الأميركية يدعو الناس إلى عدم التظاهر ويرهبهم ويحذرهم ويشتمهم بنعوت قبيحة قبل التظاهر، أما سمعتم بيانات قيادة عمليات بغداد العسكرية، تأمر بإيقاف سير المركبات في المدن لتمنع وصول المتظاهرين إلى مبتغاهم، أما سمعتم بيانات المحافظين بإجبار الموظفين على العمل في يوم عطلتهم الدينية حتى لا يشتركوا في التظاهرات، أما قرأتم فتاوى دينية طائفية داخلية وأخرى خارجية تتوعد المتظاهرين لتمنعهم من التظاهر في العراق، وتدعو آخرين إلى التظاهر في دول أخرى. فأين حرية الكلمة؟ وحرية التظاهر في العراق، وهل أضحى العراق محررا وحرا كما يدعون؟
أيها العالم الحر، أما شاهدتم كيف سقط جرحى وقتلى برصاص حي؟ أما رأيتم المدرعات العسكرية تقف بوجه المتظاهرين وأخرى تتابعهم؟ ألم يكن الجنود مدججين بالهراوات والقبعات الفولاذية والماسكات الواقية والرشاشات التي جهزتها أميركا للحكومة العراقية بأعداد لا تعد ولا تحصى تلاحق المتظاهرين كرا وفرا؟ أهذا هو التعامل الحضاري كما يدعي قائد العمليات العسكرية؟ وكيف سقط القتلى والجرحى؟ هذه هي تجارة أميركا وبضاعتها للعراقيين المحررين؟ أما شاهدتم الحواجز الكونكريتية على ارتفاع ثلاثة أمتار على طريقة السياج الأمني الإسرائيلي تقام على المنافذ والجسور المؤدية إلى ساحة التحرير لمنع سير المتظاهرين وتدفقهم؟ أما رأيتم قنابل مسيلات الدموع وقنابل الدخان والصوت تلقى على المتظاهرين؟ أما شاهدتم الطائرات تروع الناس؟ أما شاهدتم كيف رشت خراطيم المياه المتظاهرين بالماء في شتاء العراق القارص حيث تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من عشر درجات بطريقة تعرضهم للمرض والموت؟ ماذا تسمون ما رأيتم وسمعتم؟ ديمقراطية ؟ حرية؟ حق التظاهر والتعبير؟ لماذا تغمضون عيونكم؟ وتصمون آذانكم؟ وتخرس ألسنتكم؟ وتتخاذل قراراتكم؟
أحرام على أبناء العراق الغني بموارده، والدولة النفطية الرابعة في العالم أن يطالبوا بالخبز لسد الرمق بعد عشر سنوات من تدمير أميركا وأوروبا للعراق لا تحريره؟ وتخريبه لا تعميره؟ أليس من حقهم أن ينعموا بالأمن، ويسكنوا كخلق الله بيوتا؟ أ ليس من حق العراقيين أن يسهروا على نور الكهرباء؟ ويشربوا ماء؟ ويحصلوا على الدواء؟ أليس من حق النساء أن تطالب برؤية أبنائهن الذين ولدن من أرحامهن بعد سنوات من الاعتقال بلا محاكمة؟ أليس من حق من يطلب العمل أن يحصل عليه ولو بأدنى ثمن وأبخسه؟ أليس من حقهم أن يتعلموا بالمدارس؟
أيها العالم الحر، أين العراقيون من حقوق الحيوان لا حقوق الإنسان؟ والله لا تحتمل الجمال ولا البغال ولا الحمير ما تحمله العراقيون من ظلم الغرب، قصف بالطائرات، وبقذائف من السلاح المحرم دوليا كاليورانيوم وغيره، وزرع للألغام، واكتساح الجنود للمدن، ودهم البيوت الآمنة، وإذلال الناس، بهتك أعراضهم، وإراقة دمائهم، وسلب أموالهم، وسجن أبنائهم، ومن حصار على الغذاء والدواء، ومن نهب للأموال رواتب لفرق التفتيش عن أسلحة دمار موهومة، وتعويض للدول المتضررة كذبا وعدوانا، ومن سرقة للآثار النادرة واللقط الثمينة، وحتى المخطوطات.
اللهم نشكو إليك ما شكا رسولك، ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على إخوتنا وأبناء عمومتنا، اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا هازم الأحزاب، انزل غضبك وسخطك على كل من ظلمنا، وسرق مالنا، واحتل بلادنا، وشرد أهلنا، وقتل وسجن أبناءنا، وظلم شعبنا، من غاز محتل، وعميل مندس معتل، وخائن مأجور منسل، وممن عمل وساعد وسعى إلى احتلالنا وخراب بلدنا، أما نحن فأمرنا واتكالنا عليك وإليك، اللهم ان لم يكن بك غضب علينا فلن نبالي.