في حركة شعبية غير مسبوقة عمت الوطن العربي ابتدأت بتونس الخضراء، حطمت النظام السياسي التونسي، ومن المؤكد انها ستولد نظاما ديمقراطيا شعبيا، تكون فيه السلطة للشعب، كما ان الثورة الشعبية التي اجتاحت مصر ام العرب، ومركز الثقل في النظام العربي الرسمي، تؤثر فيه سلبا او ايجابا، قد احدثت زلزالا سياسيا لم يكن يتوقعه احد، ولم تحسب له كل مراكز الرصد المخابراتية في العالم، الى جانب ان هناك حركات شعبية تجتاح الوطن العربي، من المغرب حتى البحرين، مرورا في الجزائر وليبيا واليمن والعراق حتى الآن، تؤشر على بزوغ فجر عربي جديد، يكاد ان يكون فريدا من نوعه على مستوى التغيير في هذا الكون.
الانهيارات التي اجتاحت بنية النظام العربي دليل حيوية هذه الامة، وقدرتها على العطاء، وعدم قبولها بالذل والمهانة والاستكانة، امام طغيان الانظمة العربية، التي اتسمت بعدم الحرية والديمقراطية والكرامة الانسانية، الى جانب روائح الفساد التي انتشرت في كل زاوية من زوايا المجتمع، وبشكل خاص ما له صلة بالسلطة السياسية.
كنا ومازلنا من المؤمنين بهذه الامة وبقدرتها على النهوض، لاسباب موضوعية وذاتية، لان امتنا بعمقها التاريخي والحضاري، وبعظمة الرسالة التي تحملها على اكتافها، لن تكون الا امة عظيمة، تملك من القدرات والامكانيات ما يؤهلها ان تحجزلها مقعدا في صفوف مقاعد الامم المتحضرة، والقادرة على الاسهام في الجهد والعطاء الحضاري الاممي.
العرب امة جذورها ضاربة في التاريخ، ولهم انجاز حضاري على المستوى الانساني، ويملكون رؤية عربية انسانية، تمثلت بالرسالة السماوية، ولهم موقع جغرافي استراتيجي، يكاد يشكل مفصلا حيويا بين اجزاء العالم القديم، ويتوفر لديهم ثروة طبيعية، يحتاجها العالم وترتكزعليها حضارته، وتقدمه العمراني والانساني، ويملك العرب ثروة بشرية متعلمة ومتدربة، هي اساس التنمية والتطور والرقي في سلم الحضارة العالمية.
فالعرب كانوا تواقين للتحرر، ونيل الحرية والكرامة الانسانية، التي حجبتها الانظمة السياسية الفاسدة، والتي كانت ولا تزال تحظى بدعم الدول الغربية، المتشدقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، من اجل ان يبقى العرب في قمقم التخلف والتجزأة والتبعية، الا ان ما نشاهده في شوارع العواصم العربية، قد ازال الغشاوة عن اعين الكثيرين، من الحكام المخدوعين بسطوة اجهزتهم، وبمراكزالدعم الاستخباراتي العالمي لهم.
سيكون العرب سادة في هذا العصر، بعد ان ظن الحكام واسيادهم ان العرب عبيد، لا هم لهم الا خدمة ديكتاتور متجبر، وفاسد في الذمة والاخلاق والضمير، ممن انتفخت كروشهم من اموال الشعب، وعاثوا فسادا في الحياة العامة، وارادوا ان يمتلكوا البلاد والعباد لخدمتهم، وتنفيذ مآرب اسيادهم الصغار والكبار، ولهذا ليس مستغربا ان يكون هذا العصر هو عصر الجماهير العربية، التي صمتت طويلا ولكنها انفجرت في وجوه كل الطغاة، والقنتهم دروسا في التضحية، من اجل الوطن ومصالح جماهير الشعب في اقطار الامة.
لا احد في هذا الكون يتخيل حجم الثورة الكامن في نفوس ابناء الشعب في تونس ومصر، وبزمن قياسي يسقط هؤلاء الطغاة، ويكتشف ان سطوتهم كانت هلامية، وان حاجز الخوف الذي كان مهيمنا، قد سقط باسرع من سقوط جدار برلين، وبأن زمنا عربيا بدأت ملامحه تتشكل ليس في تونس ومصر فحسب، بل وبكل زوايا الوطن العربي، خاصة ما لمصر من دور قيادي وريادي في التطور والتقدم العربي.
سقط النظام العربي الرسمي، وهناك ملامح نظام عربي جديد، يختلف كلية عما سبقه، لان الاول كان قائما على رؤوس الطغاة، والثاني يتشكل بفعل شراكة كل ابناء المجتمع، يتم اعداده ونسج خيوطه بايدي الجماهير العربية، من اجل خلق مجتمع ديمقراطي تعددي، يحترم فيه كرامة الانسان وحريته، وايمان قاطع باحترام الرأي والرأي الآخر، يسعى لخلق تلاقح افكار كل ابناء المجتمع، باحزابه ونقاباته ومؤسسات المجتمع المدني فيه، مع مشاركة فاعلة من قبل المستقلين لا المستقيلين، لان وطنا جديدا تتشكل ملامحه لامكان فيه للمتفرجين.
ما اصاب المجتمع العربي من ثورات شعبية، تكاد تكون كالزلزال الذي يقلب الارض باطنها على اعاليها، ولا يترك حجرا فوق حجر، ولا يترك الحال لماء راكد، لان الحياة باتت مسكونة في التغيير نحو الافضل، وطمس ما اصاب المجتمع من امراض سياسية ومشاكل اقتصادية واجتماعية، لتزول مع زوال الحكام الطغاة، الذين فصلوا الحياة على ما تقتضيه اهواؤهم ومصالحهم.
المجتمع العربي بات مجتمع يعج بالحياة، بعد ان ظن الكثيرون انه بلا حياة، وانه قد استمرأ حياة الذل والمهانة، على ايدي جلاوزة الحكم، واجهزة القمع الامنية، التي لا ترعى ذمة ولا دين في حقوق الناس، لانهم قد ارادوا ان يجيروا كل ما يملكه الناس لخدمة مصالحهم ومصالح اسيادهم، وهاهم يلهثون لعلهم يقطعون على الثورات الشعبية طريقها، وفاتهم ان من يقوم بالثورات الشعبية هم شباب هذه الامة، التي فاض لديها الكيل، وبات الانتماء لديها اهم شيئ في هذه الحياة، وان الكرامة لدى هؤلاء ورغيف الخبز باتا وجهان لحالة واحدة، وانه لاخبز بدون كرامة.